شاعر مصرع الحظ

TT

كنا نظن أن للشاعر عبد الحميد الديب قصيدة أو بعض القصائد في سوء الحظ وعلم النحس، فإذا بالرجل موسوعة نكد تمشي على قدمين، وإذا بالعلم بها لا يقتصر على قبيلة أو اثنتين في الوادي بل ينتشر ليعم الخافقين.

وإحقاقا للأولوية، فإن أول من نسب الأبيات المتفائلة جدا إلى عبد الحميد الديب، هو الدكتور محمد غنيمي من القاهرة، من خلال رسالة انترنتية قصيرة، لكنه لم يذكر المصادر التي اعتمد عليها في هذه النسبة، ثم تبعه أحمد عزوز من جدة، الذي عزز رأيه بمقال لأحمد الجدع، لا مصادر فيه ولا مراجع. فالاستاذ الجدع سمعها قبل أربعين عاما من استاذ مصري اسمه عبد العليم، وكان الاثنان وقتها يعملان في قرية الخرمة السعودية القريبة من الطائف.

إلى هنا كنا ما نزال في مجال التخمين والعنعنة وحدثنا فلان عن علان، وكان من المحتمل أن نهمل هذا كله، لو لم تصل رسالة علمية مؤيدة بالوثائق من زميلنا بالاهرام القاهرية جمال نافع، ولا أدري هل هو من فرع المرحوم أحمد نافع الذي أعطاني أول وظيفة اعلامية مستقرة في السبعينات، أم من فرع رئيس التحرير ابراهيم؟ وهذا طبعا لا يقدم ولا يؤخر، فرسالته الموثقة تستحق النشر حتى لو كان من فرع الخارجي نافع بن الأزرق: «قرأت مقالتك بجريدة «الشرق الأوسط» التي حملت عنوان «يا لشماتة الشيخين»، والتى تتساءل فيها عن قائل الأبيات المكسرة المتفائلة «ان حظي كدقيق……»، وللأسف فإن كل الاجابات التي قالها القراء والمتخصصون غير صحيحة، ونظرا لأني أعلم أنها من قول الشاعر المصري عبد الحميد الديب، أشهر شاعر عاثر الحظ في حياته وفي شعره أيضا، حتى إن أحدا من القراء أو المتخصصين لم يصل الى اسمه، ولم ينشر ديوانه في حياته. ونظرا لأنني لا أستطيع أن أعتمد على الذاكرة في توثيق هذا الرأي، ولأنني من أشد المعجبين بشعره رغم أن له كثير من الشعر الفاحش، فلقد لجأت الى صديقي الشاعر المهندس ياسر قطامش، لكي يتأكد من صدق معلومتي هذه، فبحث عنها وجاء بالآتي:

إن الأبيات من قصيدة طويلة كتبها عبد الحميد الديب، بعنوان «مصرع الحظ»، وأن القصيدة موجودة فى كتاب «الشاعر عبد الحميد الديب حياته وفنه» للدكتور عبد الرحمن عثمان، وبمقدمة للأستاذ أحمد حسن الزيات، طبعة دار المعارف عام 1968. وقد قدم المؤلف كتابه بأبيات أخرى من هذه القصيدة يقول فيها الديب:

حظى هو الأيكة الخرساء ذابلة

هو الضياء به موتي واحراقي

كأنه أذرع شلاء راحتها

أو أنه أعين من غير أحداق.

أما النص الكامل للقصيدة فهو موجود فى ديوان «عبد الحميد الديب»، دراسة وتحقيق محمد رضوان وتقديم فاروق شوشة، وطباعة المجلس الأعلى للثقافة فى مصر عام 1999، الطبعة الأولى. وتحمل نفس العنوان «مصرع الحظ».

جمال نافع ـ القاهرة

وبعد هذا التوثيق كله، لا نستطيع الا أن نسحب القصيدة من السودان، لننسبها لمصر لتظل في الأحوال كلها في الوادي المبتلى من شماله إلى جنوبه بسوء الحظ في سنواته العجاف، والأمنية المتفائلة الآن، أن يكون نحسه قد زال وأن تكون حلحلة مشاكل الجنوب أول الغيث المتفائل، والخير العميم ليعود وادي النيل، كما كان يزهو وينشد، كما عودنا في سنواته السمان أجمل أغاني الفرح والسعادة والحبور.

[email protected]