الإرهابي الحقيقي

TT

ما زالت الشرطة الكويتية تبحث عن الارهابيين المحتملين في ام الهيمان وحوَّلي وربما في قلب الكويت. وهذا هو المكان الخطأ. فالارهابي الحقيقي في الكويت لم يخطر له مرة الاختباء، بل كان دائما يفاخر بما يفعل. والذين سمموا روح المجتمع الكويتي الصغير تصرفوا وكأنهم اصحاب مهمة مقدسة. والذين حولوا مجتمعا اسريا مترابطا الى مجتمع متناقض متحاقد متنازع ظنوا دائما انهم يغيرون الكوكب وينقذون الامة ويتقدمون الدنيا الى اقامة جناح اضافي على سطح المريخ.

المشكلة ليست في المختبئين والمتسللين والبدون. المشكلة في الذين حاولوا ويحاولون كسر الاناء الكويتي من اجل اعادة صياغته، قطعا قطعا. وفي الذين ارادوا تدمير احد ابسط النماذج الوطنية من اجل اقامة نماذج متحاربة غير قابلة للحياة. المشكلة في الذين خرقوا هدوء الكويت وروابطها واطلوا من الصحف ومجلس النواب والمنابر والديوانيات، وكأنهم يريدون تخفيف عبء المهمة الكبرى عن كتف صدام حسين، بتحرير فلسطين عن طريق الكويت، واضاءة المستقبل العربي باطفاء النور في حوَّلي والغاء الحرية والديموقراطية والدستور في واحدة من اوائل الدول العربية التي اعتمدت الدستور.

لم تكن المسؤولية مسؤولية المعتدين على الدستور والحياة المجتمعية الاسرية وحدهم، بل كانت ايضا مسؤولية الحكومات التي تراجعت امام الابتزاز. ولم يمض فصل من فصول السنة طوال السنوات الماضية الا واسقط وزير تفاديا لاسقاط الحكومة. ودائما بتهم هزيلة. وغالبا بتهم مضحكة. وكانت الحادثة الاخيرة اخراج محمد الحسن الرجل الذي يحمل تاريخا ديبلوماسيا براقا عندما كانت الكويت في الاحتلال والتعذيب، وكان بعض الذين طالبوا باسقاطه يرفض توقيع بيان يستنكر الاحتلال.

ليست هذه اول مرة اكتب خوفا على التجربة الديموقراطية في الكويت. انني اكتب في هذا الباب منذ اكثر من عقدين. اولا، لانني اعرف الكويت. وثانيا لانني اعرف، بالتجربة اللبنانية، ان الزعيق المزوّر باسم الديموقراطية او في ظلها، سوف ينتهي الى رصاص في الشوارع وفي الازقة. واعرف ان كل مدَمر جاهل لا يجيد سوى الصراخ الاجوف، هو مشروع حرب اهلية. وان كل ارعن مستعد لان يستخدم الثقاب المذهبي او القبلي لكي يقيم حريقا يصفق له.

لم يعد ما يجري في الكويت مسؤولية وزارة الداخلية او الحكومة برمتها. الآن الاسرة الكويتية برمتها امام هذا التحدي. انها مسؤولية آخر ناخب كويتي واصغر صحافي كويتي. فالخوف على التجربة الديموقراطية لم يعد مسألة نظرية، والذين يقتلون رجال الشرطة يريدون اغتيال امن الكويت. ثمة من جعل حرية الكلام حرية للرصاص ودعوة للموت.