شبّيك لبّيك

TT

الضياع أو (التوهان) قد يقع فيه كل إنسان، سواء كان في مدينة مكتظة، أو في (منتجع)، أو في غابة، أو صحراء، أو سلسلة جبال.. وهناك من ضاع ثم استدل، وهناك من ضاع (واتكل على الله) ولم يعد حتى هذه الساعة، بل ولن يعود حتى قيام الساعة.

المثل العربي يقول: (من سأل ما تاه).. لكن بعض من يضيع أو يتوه (تأخذه العزة بالإثم)، أو يخجل من السؤال على أساس انه يريد أن يظهر بمظهر (أبو العّريف)، وهو في الواقع اجهل من الدجاجة التي تتوه عن خمها.. وهذا النوع من الضياع (الخفيف) هو الذي أريد أن أتحدث عنه، وقد وقعت شخصيا به، وذلك عندما ذهبت في رحلة طلابية في إحدى البلاد الأوروبية، ولم يمض حينها على وصولي لتلك البلدة غير عدة أيام، وكنت أسير في أمان الله مع مجموعة للتعرف على بعض المعالم، غير أنني بطريقة فلسفية غبية تركت المجموعة، لأتناول بعض السندويتشات واقضي حاجتي، متصورا أنني سوف الحق (بالركب) ـ أي المجموعة ـ غير أنهم (فص ملح وذاب)، وأخذت أتخبط في تلك المدينة الأثرية العتيقة على غير هدى، ومن زقاق ضيق، إلى مرتفع، إلى منخفض، إلى طريق مسدود، وصار أملي الوحيد هو الوصول إلى موقع محطة الأتوبيسات التي أوصلتنا، حيث أننا لا بد أن نرجع قبل الغروب، لكن هيهات من ذلك، وبعد عدة ساعات، وإذا بي المح طالبة (بدينة) كانت تركب في نفس الأتوبيس الذي اركبه، فحمدت ربي كثيراً، وتخيلت ساعتها أن تلك البنت، التي يقارب وزنها التسعين كيلو، أجمل وارشق من ملكات جمال العالم، فهي التي سوف تدلني، وصرت اتبعها من بعيد، وكلما تهادت، سرت وراءها، وكلما دخلت محلا، وقفت على الناصية انتظرها ـ وكأنني (بودي غارد) لها، ودخلت عدة (بوتيكات) للملابس غير أنها لم تشتر شيئاً، وهناك احتمال أنها لم تجد مقاسها، وتوقفت عند محل للآيس كريم واشترت كوزا كاملا من الشوكولاته مع الفانيليا، وأخذت تسير الهوينا وتلعق الآيس كريم، وأنا اسحب أقدامي (واتلمص)، وبعد ساعة ونصف الساعة تقريباً، (حطزت) على كرسي في احد المطاعم وطلبت أكلاً، ووقفت على الرصيف المقابل ارمقها، وعندما تعبت وعيل صبري، اضطررت أن أتوجه إلى المطعم واطلب طلباً، وبعد برهة وإذا بها تحاسب (الغرسون) على ما أكلته، وتقوم من مكانها قبل أن يصل طلبي الذي طلبته، فما كان مني لا شعوريا إلا أن أهب من مكاني كالمجنون لكي الحق بها، غير أن (الغرسون) صاح بي، فسألته عن الحساب، ودفعت له الثمن مقدماً، وذهب ليفكه، وعندما تأخر عليّ اضطررت أن اترك له المبلغ كله والأكل الذي طلبته وان انطلق راكضاً ابحث عن (بغيتي السمينة) حبيبة عمري، ولا شك أن (الغرسون) لو كان حياً، فإنه حتماً ما زال محتاراً من تصرف ذلك المعتوه.. وأخذت اركض وارمح وأتلفت في كل صوب، إلى أن رأيتها على بعد وتنفست الصعداء، ولو أن (الهوا هوايا) لحضنتها.. وأخذت (البطة) تتبختر، وأنا خلفها (انقز) كأي ديك أعرج، وأخيراً وصلنا إلى محطة الأتوبيسات، واعتقد أنها لاحظت تعقبي لها، لأننا عندما ركبنا كانت ترمقني بين الحين والآخر بنظرات لها دلالات رهيبة، وابتسامات كأنها تقول لي: (شبيك لبيك أنا ما بين أيديك).

يا ساتر (!!)

[email protected]