المواد الغذائية المهلكة

TT

تنظم بريطانيا محرقة ضخمة للتخلص من عشرات الآلاف من جثث الحيوانات النافقة، التي ستقدم قربانا في مذبح آخر الامراض التي تهاجم الثروة الحيوانية في بريطانيا اليوم.

ولا يقتصر الخوف من الامراض الحيوانية التي تشكل مصدرا غذائيا اساسيا مثل كارثة مرض جنون البقر، التي اندلعت خلال السنوات الخمس الماضية على بريطانيا فحسب، ففي زمن التجارة الحرة والعولمة، التي تتنقل فيها المواد الغذائية عبر القارات، ليس من مكان في هذا العالم يعتبر في مأمن من الاصابة بهذه الامراض القديمة ـ الجديدة.

وخلال الاشهر الاثني عشر الماضية تعرض نحو مائة بلد لمخاطر الاغذية الملوثة، وسحبت على الاثر مئات المواد الغذائية المهمة من الاسواق، وبلغ تردي الوضع حدا صرح معه بعض العلماء علنا بأن لا وجود اليوم لأي منتجات غذائية سليمة بالكامل للاستهلاك البشري.

ودفع الجشع، سعيا وراء تحقيق ارباح اعلى، وتخفيض كلفة الانتاج في بعض الحالات، الى تلاعب خطير بالطبيعة، باسم العلم. وعلى سبيل المثال، تُغذى الحيوانات آكلة العشب على مواد تستخلص من عظام وبقايا اجسام ابناء جنسها المذبوحة. وفي حالات اخرى، حلت المواد المعدلة وراثيا، والاكثر خطرا في الانتاج الزراعي والحيواني، محل الطرق المجربة والمستخدمة منذ وقت طويل.

ويكمن وراء ذلك كله الغرور بالمعرفة القاصرة، فالحضارة المعاصرة ما عادت تحتمل الاهانة المرافقة للاعتراف بأن ما نعرفه اقل بكثير مما نجهله. وقديما كان الكيميائيون يسعون وراء تحقيق احلامهم وسط ظلام مختبراتهم، اما الكيميائيون المعاصرون فانهم يختبرون اكتشافاتهم الاخيرة على بشر احياء وفي فضاء معولم.

فهل يتوجب علينا انتظار حصول كارثة بحجم كارثة تشرنوبيل حتى تفتح عيوننا على مخاطر الفوضى العارمة التي تهيمن على موائد الطعام في ارجاء العالم؟ كما ان من المدهش في هذا السياق ان المجتمع الدولي انشأ عددا لا يحصى من المنظمات التي تتصدى لكل قضية من القضايا عدا مسألة الامن الغذائي، وهذا افضى الى جهل الجميع بتفاصيل ما يحدث والى اين نتجه؟

ربما يكون الوقت قد حان ليتبنى المستهلكون في ارجاء العالم هذه القضية، التي تؤثر على حيواتهم بشكل يومي، فلن تنصت الحكومات لاجهزة الانذار، التي ما فتئت تدق في بقاع العالم منذ عقد، الا بضغط من الرأي العام.