خيار الجنرال شارون ما بين السلم والحرب

TT

ان المعطيات المتوفرة لدينا حتى الآن تشير الى ان شارون لم يستطع تشكيل حكومة وحدة وطنية حسب رغبته يتقدم بها الى رئيس الدولة العبرية، وسبب ذلك يعود الى التناقضات الحزبية المستحكمة في العقاد الحزبية المتنافرة. وربما يكون وصول شارون الى كرسي الرئاسة بداية لعهد شاروني جديد ينطوي على تغييرات جذرية من شأنها ان تغير معالم صورته التي تحمل في مدلولها كل معنى من معاني الهيمنة والغطرسة العسكرية والتنكر للمبادئ الوطنية التي يكافح لأجلها كل شعب يريد ان يعيش في وطنه حرا مستقلا. وفي الوقت الذي يتربع فيه شارون على سدة الحكم فان انظار شعبنا والعالم كله تتجه نحو شخصه بانتظار تشكيل حكومته الجديدة ونوعية العناصر الحزبية التي ستشارك معه في هذه الحكومة سواء كانت حكومة ضيقة او حكومة ائتلافية او حكومة وحدة وطنية وما ستسفر عنه مساعيه المستميتة من اجل اقناع شخصيات بارزة من حزب العمل لاشغال وزارتي الدفاع والخارجية على اعتبار ان ذلك برأينا خطوة لها ابعادها السياسية لا تقل اهمية عن خطابه السياسي الذي ننتظر اعلانه بفارغ الصبر بعد ان اصبح لاول مرة في قمة المسؤولية بدولة اسرائيل وامامه من الاولويات المستعجلة والمهمة قضية السلام في المنطقة.

ان الشعب والقيادة الفلسطينية على امتداد وجودهم يمدون اياديهم للسلام على اعتبار ان ذلك مطلب استراتيجي لا يمكن التخلي عنه مع تغير الحكومات الاسرائيلية ويمكن منذ اللحظة التي ضمن فيها شارون كرسي الرئاسة ومن خلال اتصالاته السريعة التي جرت مع القيادة الفلسطينية وبعض زعماء الدول العربية التأكيد سلفا على ان الجواب العربي سيكون موحدا بالنسبة لمواصلته مفاوضات السلام من حيث توقفت مع الوفد الاسرائيلي في طابا والتي وصفها المقربون من وفدي المفاوضات الفلسطيني والاسرائيلي بأنها طالت بشموليتها جميع القضايا الجوهرية المرتبطة بقضية القدس وعودة اللاجئين وازالة المستوطنات والمياه ورسم الحدود وفقا لقرارات الشرعية الدولية وسيدعونه للتركيز بجدية وامانة على بحث هذه القضايا التي بقيت معلقة في مسيرة السلام والحفاظ على الانجازات التي تم تحقيقها منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن، واذا ما تخلى عن هذا النهج المتاح امامه وهو ما يعتبره العالم كله الطريق الوحيد الى السلام فان العبرة لما جرى لسلفه باراك ومن قبله نتنياهو ما زالت ماثلة امامه فاذا كان لا يرغب ان يستفيد من هذه التجارب التي مارسها من سبقوه وما نتج عنها من فشل ذريع ادى الى تدهور الاوضاع بكافة الميادين وبالذات الامنية والسياسية والاقتصادية بسبب مماطلتهم وعدم جرأتهم باتخاذ القرارات الحاسمة والمطلوبة فما عليه سوى التفكير على صياغة نص استقالة حكومته ووضعها جاهزة في جارور مكتبه.

ولا نخفي سرا اذا ما اكدنا عليه بان الاغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني ترى بمجيئه الى الحكم نذير شؤم وعدم الرضى اعتقادا منهم بان حاضره سيكون امتدادا لماضيه وقد يكون مستقبله، اذا لم يتعظ بعبرة غيره ممن سبقوه، اسوأ من حاضره ولا لوم في ذلك حيث اننا اذا استعرضنا شريط حياته العسكرية منذ ان تولى الخدمة في الجيش الاسرائيلي وحتى اصبح وزيرا للدفاع لوجدنا كيف انه كان على رأس من ارتكب العديد من المجازر الرهيبة التي نعتكف عن ذكرها لهول بشاعتها وماخلفه من ضحايا لا ذنب لشعبنا الاعزل فيها سوى ايمانه بعدالة قضيته وصموده على ارضه ومطالباته بحق العودة الى وطنه والعيش في ظل دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وكيف انه كان في مقدمة القوات الاسرائيلية التي غزت لبنان عام 1982 بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية وما خلفته هذه الحرب من احتلال لجنوب لبنان مدة عشرين عاما تحمل الجيش والمدنيون الاسرائيليون خلالها الكثير من الخسائر البشرية والمادية اجبروا بسببها وتحت ضغط المقاومة اللبنانية العنيفة على سحب قواتهم من هناك مرغمين، وكان من نتيجة هذه الاخطاء ان زاد الرهان وسط المجتمع الاسرائيلي آنذاك على ان امر تولي شارون منصب وزير الدفاع اصبح بحكم المستحيلات وذلك من منطلق كفرهم بالحروب التي لم تحقق لهم سلاما حقيقيا او حياة ينعمون بها بالاستقرار سيما ان مغامراته العسكرية كلها جاءت على عكس ما يتوقعون.

وبالرغم من ذلك فان البعض ما زال يعتقد بالنظر لما حظي به الجنرال شارون بالكثير من اصوات الناخبين وبعد ان اصبح رئيسا للوزراء انه الرجل القوي والوحيد الذي يملك خيار السلام او الحرب، وانه باستطاعته ان يصنع السلام العادل والشامل مع القيادة الفلسطينية تماما بمثل ما حصل مع بيغن يوم كان زعيما لحزب الليكود ورئيسا للوزراء الذي وقع على اتفاقية سلام مع مصر واعاد لها كامل الارض التي احتلت في العام 1967 ولكن ما يحول دون قبولنا بهذا الاعتقاد هو تلك الشعارات والتصريحات المتطرفة التي سمعناها منه اثناء حملته الانتخابية وبعدها حول ابقاء القدس مدينة موحدة وعاصمة لاسرائيل والاحتفاظ بالمستوطنات وعدم التفاوض مع الفلسطينيين الا بعد توقف الانتفاضة، مضافا الى ذلك تلك التهديدات التي اطلقها ليبرمان زعيم الحزب المتطرف (اسرائيل بيتنا) بضرب السد العالي واحتلال سيناء وتأديب ايران وكلها شعارات وتهديدات يستوحى منها بان الغطرسة العسكرية وما تسببه من ويلات على الشعوب ما زالت معششة في عقول من يديرون دفة الحكم باسرائيل ومعظمهم مع كل اسف من الجنرالات الذين تهيمن عليهم النزعة العسكرية وممن يؤمنون بفرض الحلول على شعبنا بالقوة العسكرية.

اننا وتمشيا مع رأي القيادة الفلسطينية وما جاء على لسان الرئيس الاميركي جورج بوش في تصريحه الاخير في ما يتعلق باعطائه الفرصة الكافية للتفكير والمراجعة ننتظر ما سيكون عليه موقف حكومة شارون الجديدة من قضية السلام ومدى استعداده بقبول مبدأ الارض مقابل السلام واعترافه بعدالة قضيتنا المدعومة بالقرارات الدولية التي تبنتها غالبية دول العالم وفي مقدمتها الدول الكبرى التي رعت عملية السلام والتصدي لمن حوله من المتطرفين الذين لا هم لهم سوى مصالحهم المادية وتمسكهم بكراسيهم البرلمانية وتطلعاتهم الضيقة، وان تكون طروحاته على مستوى ما يحدد مصير المنطقة مستقبلا، فاما ان تنعم بحرارة الشمس الدافئة ويعم السلام او تحترق بفعل نار حرب لا تنتهي ابدا وفي هذا ما يترك للدول العربية دورا اساسيا تلعبه عند اجتماع قمة الزعماء العرب في الاردن اواخر (آذار) القادم واهمية القرارات المطلوب اتخاذها دفاعا عن حقوق الامة العربية.

ان عند الله اجر يكسبه الجنرال شارون اذا نسي تاريخ ماضيه والغى من ذاكرته لغة القوة، وتطلع بوجهه الى ما يبشر اهل المنطقة بان السلام المنشود قادم على يديه وربما كان في ما يفعله من سبب للتكفير والتوبة والندامة على ارواح الذين ذهبوا قربانا على مذبح الحرية والاخلاص لمبادئهم الوطنية.

كاتب فلسطيني ـ القدس