حدود الدور الأميركي

TT

وضع كولين باول وزير الخارجية الاميركي حدود الدور الذي ترسمه لنفسها ادارة بوش في البيت الابيض في مفاوضات السلام في الشرق الاوسط بقوله ان واشنطن لن تكون حريصة على السلام اكثر من الطرفين، وانها ستشجع الطرفين على استعادة الثقة في ما بينهما، لكنها لن تطرح عليهما حلولا او تقرر لهما آلية التفاوض.

وكان واضحا منذ تسلم الادارة الجمهورية الجديدة انها لا تنوي التدخل كما فعل كلينتون الذي كان وسيطا وحكما ومقترحا للحلول، كما فعل في كامب ديفيد، وفي الشهرين الاخيرين من ولايته، وعرضه ذلك الى هجوم وانتقادات شديدة قبل وبعد ان ترك الرئاسة.

ومن السهل استنتاج الفكر الذي تتحرك به الادارة الجديدة في ما يتعلق بالسلام الفلسطيني ـ الاسرائيلي، فهي ومن خلال درس تدخلات كلينتون لا تريد ان تحترق اصابعها اذا اصبحت طرفا مباشرا في التفاوض، بعدما رأت ان رفع سقف التوقعات ثم عدم الوصول الى شيء يخلق حالة احباط وغضب شديدة تعرض مصالحها الى الخطر، خاصة ان هناك شعورا بأن الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي غير جاهزين للوصول الى اتفاق سيتطلب تمرير تنازلات الرأي العام غير مهيأ لها.

ويبدو ان اليمين الاسرائيلي الذي سيشكل الحكومة الجديدة في اسرائيل برئاسة ارييل شارون يناسبه هذا الطرح، فهو لا يتعجل اتفاقا مع الفلسطينيين، ولا يريد تدخلا من جانب واشنطن يطرح مسألة القدس واللاجئين كما حدث في الفترة الاخيرة من ولاية كلينتون، وكل ما يريده هو وقف الانتفاضة، ولا يمانع في تأخير الوصول الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية لسنوات، لان ذلك يساعده في فرض الامر الواقع، وزيادة رقعة المستوطنات، وتشديد القبضة على القدس.

وقد يكون لدى الادارة الاميركية الجديدة المشغولة والتي تعطي اولوية للملف العراقي، مبرراتها في الجلوس في مقعد خلفي من عملية السلام في ضوء تجربة كلينتون، لكن التطورات على الارض قد لا تمنحها هذه الرفاهية، فشحنة الغضب التي تتفاعل داخل الاراضي المحتلة تتفاعل يوميا، وقد تؤدي الى انفجار وتطورات غير محسوبة مع وجود حكومة يمينية، بعض الاعضاء المتوقعة مشاركتهم فيها يحملون افكارا من نوع الدعوة الى تصفية عرفات نفسه، وبالتالي فهم لا يتورعون عن الدفع في اتجاه حرب مفتوحة ضد السلطة الفلسطينية، نيرانها قد تتجاوز الطرفين المباشرين.

والسلطة الفلسطينية نفسها في وضع لا تحسد عليه، فهي تواجه حصارا اقتصاديا وحجبا لاموال الضرائب يجعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها وأفراد شرطتها، وبعض التقارير تشير الى ان سيطرتها على الارض خاصة في الضفة اصبحت رمزية، والهدف واضح اما القبول بالشروط الاسرائيلية او جعل السلطة معزولة في مقر قيادتها في غزة.

وحسنا فعل باول والادارة الجديدة بالدعوة الى فك الحصار عن الاراضي الفلسطينية، والافراج عن اموال السلطة التي تمر بأزمة مالية شديدة، لكن من الضروري ايضا الدعوة الى خروج القوات الاسرائيلية تماما من المدن والاراضي الفلسطينية، لانها السبب الرئيسي للعنف واستفزاز الاهالي.