هوى حبيب اسمه حاسوب

TT

اصبحت ارى ان الحاسوب او الكمبيوتر حل محل الغزال والريم وظبي الوحش في اعيننا. راحت الكمبيوتر تضاهي المرأة في دلالها وتمنعها وصدودها، رضاها وزعلها وهجرها. امتنعت علي لسنين. خفت من حبها. تحاشيت مجالسها، ولكنها اواه! كالمرأة تماما. لا يمسك الانسان غير ان يقع في شباكها في الاخير.

انها الآن الحب الاول والاخير. حياتي ومقلة عيني وفلذة كبدي. استولت على كامل كياني.

وكالمرأة تماما، اول ما فعلته بي هو ان سيطرت على فلوسي وميزانيتي. لا انفق قرشا في هذه الايام الا عليها. كل يوم تريد مني حاجة ثانية. فستان جديد سوفتوير جديد. سكانر آخر موضة. اسطوانة مدمجة كرستين ديور. وادفع. لا املك غير ان ادفع وامري لله. فمن الحب ما قتل. وبعد ان سيطرت على حساباتي مع البنك، تلصصت خلسة على مواعيدي. وسفري واقامتي. اين اذهب ومع من اخرج. بغمزة واحدة من عينها الخضراء وتلغي اي موعد تشك فيه. وبغمزة اخرى حمراء تشطب كل رصيدي في البنك. وهات يا عمي من يصلح الخطأ ويقنع المسؤولين بأنها نزوة ساعة ولحظة غضب وزعلة حبيب.

وكل حبيب زبيب. لا امسك غير أن اتناول قيثارتي واغني «يا حياتي! يا مماتي! يا هوى الاحلام يا كمبيوتر!».

وبظهر انها قد استمعت لاغنيتي وأعجبها غزلي، فالكمبيوترات يغرهن الثناء. ولهذا تجد الاعلانات عنها تتحدث دائما بلغة شاعرية وتثني بأحر العواطف على ذكائها واخلاصها وطيب عشرتها. انها دائما احسن واعظم وأدق والطف...الخ. وعلى المتقدم لخطبتها ان يحقق في نسبها وحسبها. هل تنتمي بشيء الى آل ماكنتوش او عشيرة الوندوز، وهل تربت في سنغافورة وعندها اولاد عم في وادي السليكون فالي. على الخاطب ان يدقق مليا بكل ذلك قبل أن يسأل عن صداقها، على ان يتذكر دائما ان من يطلب الحسناء لم يغلها المهر. ويظهر ان الكمبيوتر اذا كانت بنت عايلة وحريصة على هيئتها وسمعتها، اخذت تواظب على كل هذه التمارين الرياضية والرجيم في اكلها وشربها. تراها، الآن نحيفة رشيقة، ضئيلة الخصر ناهدة الصدر لها وجه عريض وعيون ساحرة، خضراء وزرقاء وعسلية. ما ان تقترب منها حتى تغمز بعينها غمزة سريعة وجلة لا تلبث أن تنطفئ وتغلق جفنيها كما تفعل اي امرأة محترمة. ولكنك تفهم المعنى. انها لغة العيون. انها تقول لك: «خذني يا حبيبي. اموت عليك!».

تعقد عليها وتدفع المهر وتذهب في شهر العسل. ولا تعود الا وتكتشف ان لهذه الحسناء اعماما في اميركا واخوالا في اليابان وجدا متقاعدا في بريطانيا. وكلهم يطرقون بابك لاستضافتهم وتقديم الهدايا لهم ودفع معاشات شهرية لأراملهم وايتامهم.

وحالما تتوقف عن الدفع تزعل الكمبيوتر فتدير لك ظهرها وتغمض عينيها وتمتنع عن مكالمتك وقول اي شيء لك. فلا تملك غير أن تستسلم لارادتها ونيل رضاها فتدفع، وتدفع. فللحب في جيب الرجال نصيب.