تابعنا باهتمام شديد دعوة المملكة العربية السعودية لعقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب بعاصمتها الرياض. وجاءت تلبية العديد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية وأميركا، لحضور هذا المؤتمر، لتشير إلى نجاح هذه الدعوة، وتؤكد أن دول العالم المختلفة أصبحت تدرك خطورة انتشار الإرهاب، وتصاعد عملياته في كثير من الدول.
وجاءت كلمة سمو الأمير عبد الله، ولي العهد السعودي، لتؤكد على أهمية انعقاد مثل هذه المؤتمرات، وتدعم فكرة ضرورة تنامي التعاون الدولي لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التي باتت تغطي أجزاء كثيرة من العالم، وتهدد بزيادة حجمها وتطور الأساليب التي ترتكب بها العمليات الإرهابية، وتشير إلى احتمال إمكان استخدام المنظمات الإرهابية لأسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي يمكن أن يهدد الاستقرار الأمني في دول العالم المختلفة، وقد يدفع بعض الدول إلى القيام بعمليات عسكرية شبيهة بما قامت به أميركا في كل من أفغانستان والعراق.
وقد تناولت كلمة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة رؤية هامة، يجب أن ندعمها ونركز عليها، والذي لخصها في أن الدين الإسلامي ليس هو الباعث للأعمال الإرهابية، وأن الأمين العام يرى ضرورة العمل على دراسة أسباب انتشار الفكر الإرهابي في كثير من بقاع العالم، بعيداً عن هذا المفهوم الخاطئ الذي يربط بين الإسلام والإرهاب. ومن هذا المنطلق فإنني أدعو الدول الإسلامية بصفة عامة، والدول العربية على وجه الخصوص، لأن تقوم بواجبها في إبراز هذه الدعوة، ومواجهة الهجمة الشرسة على الدين الإسلامي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر. ولعل دعوة الأمير عبد الله ولي عهد السعودية بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تكون نقطة البداية، للقيام بعمل عربي موحد، يؤكد هذا المعنى، ويدحض الدعاوى الكاذبة التي نجحت في السنوات الأخيرة في وصف الإسلام بدين الإرهاب.
وقد لفتت نظري الكلمة الرائعة التي ألقاها عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، والتي أوضح فيها رؤية جامعة الدول العربية لظاهرة الإرهاب، والتي اتضح منها إلمام الجامعة العربية بالأبعاد الحقيقية لهذه الظاهرة، من كونها ذات أبعاد دولية وأسباب عالمية، وأن المواقف السياسية والعسكرية لبعض الدول تسهم بقدر كبير في زيادة انتشار أفكار الإرهاب، وأنه لكيما تكون معالجة هذه الظاهرة موضوعية وجدية، فلا بد من موقف دولي يؤكد الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب، مع مراعاة المواثيق الدولية التي تؤكد على حقوق الشعوب في النضال لتحرير أراضيها المحتلة، أياً كانت مبررات هذا الاحتلال. ودعوة عمرو موسى لتبني فكرة إنشاء مركز دولي للإرهاب، هي دعوة سليمة وفكرة ذكية، تستهدف أن يكون للرؤية العربية دور هام في وضع التصور السليم لمواجهة الإرهاب.
ولا يفوتني بعد ذلك أن أتمنى ألا ينجذب هذا المؤتمر في اتجاهات أخرى، بعيداً عن الهدف الحقيقي لمواجهة الإرهاب. فأميركا، بمشاركتها في هذا المؤتمر، ستسعى بالتأكيد لوجود مخرج لها من المستنقع العراقي، وهي تسعى منذ عدة سنوات في محاولة لتوريط الدول العربية للاشتراك في عملية إقرار الأمن بالعراق، ويبدو أنها ستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذا الهدف من خلال وجودها في هذا المؤتمر. والعالم العربي كله يريد أن يسهم في حل مشكلة العراق، بما يحقق له الاستقلال التام ووحدة أراضيه، وبشرط ألا يكون ذلك لحساب الاحتلال الأميركي للأراضي العراقية، وإنما يجب أن يكون من خلال رؤية عربية موحدة، تحقق مصلحة العراق والمصالح العربية بأكملها.
وفي الختام أدعو الله أن يوفق المشتركين في هذا المؤتمر خاصة ممثلي الدول العربية في الوصول إلى اتفاقات يعبرون عنها بقرارات تسهم بقدر فاعل في حل مشكلة ظاهرة الإرهاب، حتى تجنب البشرية ويلات هذه الجرائم.
*نائب مدير مباحث أمن الدولة بالقاهرة
سابقاً وخبير في مكافحة الإرهاب