حرب الأفكار

TT

في كلمته امام مؤتمر مكافحة الإرهاب تحدث وزير الشؤون الإسلامية السعودية عن نجاح وزارته في إثناء نحو 800 شخص عن الافكار المتطرفة وذلك من خلال حوارات على الانترنت وخطوط هاتف ساخنة وذلك كدليل على جهد اخر يبذل على صعيد حرب الافكار المرافقة لحرب الارهاب.

وهذه ليست التجربة الوحيدة في هذا المجال فهناك تجارب سابقة حدثت في مصر مع جماعات تخلت عن العنف بعد حوارات ومواجهات فكرية، وهناك ايضا في اليمن ودول عربية وربما اسلامية اخرى تجارب مشابهة احرزت نتائج.

فالحقيقة التي تضيع في بعض الاحيان هي ان هؤلاء الذين يعتنقون الافكار المتطرفة ويلجأون الى تطبيقها بأفعال عنيفة هم في النهاية بشر من لحم ودم وليسوا جنا أو مخلوقات جاءت من كواكب اخرى، وكما استطاعت بعض العقول الشيطانية ان تدخل في رؤوسهم هذه الافكار التي تتناقض مع المنطق والفهم الصحيح للدين، يمكن اخراج هذه الافكار من عقولهم ومحاصرة منبع هذا الفكر بالفكر ايضا وتبيان صحيح الاشياء.

وهذا هو الوجه الاخر للعملة في الحرب على الارهاب التي لن تكسب باجراءات امنية فقط، لان اقصى مايستطيعه الامن هو محاصرة الشبكات الارهابية وحرمانهم من حرية العمل والحصول على التمويل الى اخره، بينما تجفيف منابع الظاهرة ومنع الهواء والماء عنها حتى تموت وتسلم منها المجتمعات تماما يحتاج الى مواجهات فكرية تواجه افكار التشدد بالتسامح، وترسخ مفاهيم التعايش والانفتاح على الثقافات والحضارات على المواجهة ورفض الاخرين.

وكما جعل الارهابيون حربهم عالمية لا تعرف الحدود فان حرب الارهاب في المجال الفكري تحتاج ايضا الى تعاون وتنسيق دولي، وعدم الانجرار الى صدامات ومواجهات لن تفيد احدا.

فجزء اساسي من اهداف الحركات المتطرفة التي تتبنى التفجيرات والقتل وتملأ شبكات الانترنت برسائل الكراهية والتحريض وصور الدم هو إحداث هذا الصدام وخلق فجوة وحالة شك وتربص بين الحضارات، وبدون ذلك لن ينجح مشروعهم.

فالجيل الحالي من الإرهابيين لا يختلف عن سابقيه سوى في الايديولوجية والادعاء بانهم يمثلون الإسلام، مع فارق أساسي هو انهم استفادوا بشكل كبير من تكنولوجيا الاتصالات والاعلام الحديثة، وانفتاح العالم على بعضه مع تطور صناعة السفر وحركة الهجرة العالمية، فاصبحت أعمالهم مسموعة في كل العالم، وفي وقت قصير.

لكنهم في النهاية حركات صغيرة هامشية في أي مجتمع، ولا يمكنهم أن يشكلوا حركة سياسية او مجتمعية حقيقية لسبب بسيط هو أنهم ضد الحياة نفسها، ووجودهم يعتمد الى حد كبير على متعاطفين معهم هم في الغالب مغرر بهم، والذين يقعون فريسة لأفكار المحرضين والشيوخ الذين يتلاعبون بالكلمات لينقلوا رسائل الكراهية ويبرروا العنف.