بطريق عدن

TT

تحولت مجموعة من الكتاب العرب البارزين الى موضوع جدلي في الآونة الأخيرة، بعد صدور كتاب للأستاذ بلال الحسن حول التحولات السياسية الجذرية في سيرة هؤلاء، وبينهم الكاتب التونسي العفيف الأخضر. وقد قرأت تعليقات مختلفة حول كتاب بلال، بينها عرض للأستاذ محمد فهمي هويدي، الذي له رأي مشابه وموقف مماثل، من المجموعة التي بدأت في اقصى اليسار وانتقلت الى اقصى اليمين.

ولست بقادر على اصدار أي حكم في أي اتجاه، لأن معرفتي بالكتاب المعنيين محدودة بالاطلاع على كتاباتهم في السنوات الأخيرة. واجهل تماما كل، او أي معرفة، بسيرتهم الشخصية او السياسية. وفي أي حال، فان الكاتب بالنسبة اليّ، هو اما جيد او غير كاتب. اما اراؤه الشخصية ومواقفه وتحولاته، فهي ملكه وملك حرية الرأي، إلا اذا ثبت خلو المواقف، في اليمين او في اليسار، من الموضوعية والأخلاقية.

في العدد الأخير من «المجلة» يكتب الصافي سعيد الكاتب المغربي، شيئا من سيرة العفيف الأخضر: هاجر من تونس في الخمسينات عندما طلب منه بورقيبة، كمحام شاب، تزوير ملف عن احد معارضيه. وهرب الى الجزائر حيث اقترب من الثورة ورافق احمد بن بيلا. وعندما قلب هواري بومدين رفيقه، طرد اصدقاءه ايضا، ففر الشيوعي الماركسي الأخضر الى ألمانيا الشرقية، ومنها طار الى عدن بعد وصول الشيوعيين الى الحكم، وعندما احس بان الرفاق مقبلون على مذبحة انتقل الى عمان ورأى ماركسيته المثالية تلتقي مع افكار نايف حواتمة ويساره. لكنه رأى المجزرة قادمة فغادر الى بيروت، ناشطا في اوساط الثورة الفلسطينية، ثم رأى ان الشطط والانحراف سوف يؤدي الى مذبحة اخرى في حياته، فغادر الى باريس.

«هكذا كان العفيف يهرب من مذبحة الى مذبحة وكأنه الشاهد الاكبر لعصر من المذابح. اطل على عدن برأسه فرأى المذبحة تزحف نحوه. وحين غرق لبنان في المذبحة هرب من تلويث يديه بدماء الأبرياء، ابناء الطوائف النائمة في اللاهوت والجبال. (...) يبدو العفيف وكأنه يحتكر المعرفة، على نحو يجعل منه احد الرومانسيين الملتهبين الاكثر اثارة في الوطن العربي».

يعيش العفيف الاخضر الآن في شقة صغيرة في احد احياء باريس الشعبية. وبعد رحلة طويلة في الماركسية والناصرية والاسلاميات، تحول الى معاد للأصوليين. ولذلك فهو شبه متخف ويظهر في المقابلات التلفزيونية مموه الملامح. ولست ادري من هو على حق: بلال الحسن وفهمي هويدي، ام الصافي سعيد. ولكنني اعرف ان العفيف الأخضر هو النموذج الاكثر صخبا وبؤسا، لجيل طويل من العرب.