على هامش قمة شرم الشيخ: إجماعا «الجهاد الدبلوماسي» و«المبادرة الإسلامية»

TT

حتى الآن يبدو التحرك الذي يقوم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكما لو أنه اذا جازت التسمية «المقاومة الدبلوماسية»، أو فلنقل انه الوجه الآخر من «انتفاضة الأقصى».

ومنذ أن وقع الخيار الفلسطيني من جانب الاكثرية على محمود عباس، لكي يكون الرئيس الجديد للسلطة، التي تنتظر تحويلها الى دولة، والارتياح العربي والدولي متواصل ازاء هذا الخيار. وبدت دول العالم العربي، ودول العالم الخارجي عموماً، وكما لو أنها كانت في حالة انتظار ولادة، وأن المولود جاء على نحو ما يتمنى المنتظرون المتوقِعون.

مثل هكذا رجل دولة ليس من السهل توافره، وبالذات عندما تكون الظروف الاقليمية والدولية والداخلية فلسطينياً واسرائيلياً على النحو التي هي عليه. ومن هنا فإن مساندته وتدعيم التوجه الذي باتت ملامحه واضحة هما مسؤولية كل دول العالم وبالذات تلك المعنية بالصراع العربي ـ الاسرائيلي والنزاع الفلسطيني ـ الشاروني. بل ان هذه الدول مطالبة في كل مرة يفتعل الشارونيون ازمة، ويثيرون زوابع تحجب صفاء الرؤية، أن تسارع الى التدخل والقول للشارونيين: كفاكم عربدة. نحن امام فرصة للتسوية لن نسمح بإضاعتها.

ولكن عندما تتكاثر العراقيل والالغام الشارونية ومن قبل ان يستضيف الرئيس حسني مبارك اليوم (الثلاثاء 8 فبراير 2005) في شرم الشيخ مؤتمراً يضم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون والعرَّاب الاردني الملك عبد الله الثاني، الى جانب العرَّاب المصري الرئيس مبارك، فهذا مؤشر الى ان الشارونيين عازمون على التسويف.. إلاَّ اذا كانت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس في إطلالتها الاولى على المنطقة، ستُقنع «شارونها» هذا، بأن الادارة البوشية في الولاية الرئاسية الثانية تحتاج الى لحظات من التقاط الأنفاس، وإلى انجاز تداوي به الجرح العراقي، خصوصاً ان انجاز السلام السوداني لا يفي تماماً بالغرض، وان التحرش بإيران وسورية ولبنان، على نحو ما نراه في المشهد العاصف، قد يتحول تفجيرات في الوجه الاميركي، هذا الى جانب ان العجز في الميزانية الاميركية يتزايد، بحيث ان الخمسة مليارات دولار التي هي تكلفة الحرب على العراق شهرياً، ومعها المليار الذي هو تكلفة الحرب على افغانستان شهرياً، باتت حالة استنزاف تكاثرت تنبيهات أهل الحسابات وواضعي الميزانيات في شأنها، بل ان التنبيه بات نوعاً من اضاءة الضوء الأحمر لأن هؤلاء رأوا انه اذا استمرت الحال على ما هي عليه في العراق عشر سنين، كما تشير الى ذلك التصريحات، فهذا معناه بالأرقام أن العجز في الميزانية الاميركية سيصل عام 2015 الى 1400 مليار دولار. إلاَّ اذا حدثت مفاجآت درامية وبات لا بد من زيادة في الإنفاق تواكب الإصرار على البقاء.

ولن يكون في الإمكان معرفة ما اذا كانت مهمة كونداليزا رايس لدى شارون هي إسداء النصيحة قبل ان تنعقد القمة الفلسطينية ـ الشارونية اليوم في شرم الشيخ، أم أنها ستكون لنفخ عضلاته على اساس ان هنالك مهمة مطلوبة منه، تنسجم مع ما يجري الاستعداد لخوض غماره بالنسبة الى مواجهة مع ايران، تتم لمجرد إنجاز فك ارتباط الحكم السوري بنظام «آيات الله»، بما يعني إضعافاً للشأنين السوري والايراني في لبنان، وهذا يتم لمجرد تحقيق انسحاب القوات السورية من لبنان، وبعثرة خارطة ميزان القوى بما هي عليه. وما نقصده بـ«إسداء النصيحة» هو أن يسترضي شارون الفلسطينيين، ويستعيد طمأنينة شريكي العملية السلمية الاولى مبارك وعبد الله الثاني، اللذين كلما ارادا تجميل خيار التطبيع مع اسرائيل تجاوباً مع الرغبة الاميركية، يفاجئهما الشارونيون بإجراءات ومواقف تجعلهما يزدادان ابتعاداً. ومن هنا فإن قمة شرم الشيخ اليوم ستكون اختباراً كما انها قد تؤسس لمرحلة جديدة على طريق التهدئة. وفي هذه الحال فإن القمة الاسلامية التي دعا ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الى عقدها في الارض المقدسة مكة المكرمة، ستشكل نقلة نوعية في اتجاه التسوية الموضوعية، خصوصاً في حال خروج هذه القمة بـ«مبادرة اسلامية» يتم اتخاذها بالإجماع، وبمثل الإجماع على «المبادرة العربية» في القمة الدورية الثانية في بيروت.. وهي المبادرة التي بدأت في شكل رؤية من جانب ولي العهد ما لبث اهل القمة، التي استضافها تجييراً رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله عليه في لبنان، ان وجدوا فيها ما من شأنه ان يشكِّل الجامع المشترك لما يدور في خاطر كل منهم.

وتبقى الإشارة الى ان الذي كان ينقص «المبادرة العربية»، لكي تنطلق هو الرفض الشاروني لها، وعدم ممارسة الضغط البوشي على الشارونيين، وإصرار «الحماسيين» و«الجهاديين» على ان المقاومة المسلحة بالعمليات الاستشهادية ثم بصواريخ «القسام»، هي التي في استطاعتها نيل المطالب. وبعدما استطاع الرئيس محمود عباس بلورة ظاهرة «الجهاد الدبلوماسي» وتحقيق التفاف فلسطيني حوله، وعلى قاعدة التفهم من جانب «الحماسيين» و«الجهاديين»، فإن خطوة ايجابية تخطوها اسرائيل في اتجاه التهدئة لدعم التوجه التسالمي الفلسطيني، الذي يأخذ للمرة الاولى شكل التوافق الشامل، وتأكيداً من جانب الادارة البوشية بأنها تريد للتسوية ان تحدث، من شأنها ان تجعل القمة الاسلامية المرتقبة بأهمية القمة العربية الدورية الثانية من حيث الخروج وبالإجماع بـ «المبادرة الاسلامية» المشار اليها. وبهاتين المبادرتين المتخذتين بالإجماع ومعهما «الجهاد الدبلوماسي» المتخَذ بالإجماع نسبياً، ولو مرحلياً من جانب كل الفلسطينيين، لا يعود العناد الشاروني مقبولاً حتى من الحليف الاميركي، الذي كرر الوعد بتحقيق الدولة الفلسطينية «القابلة للحياة»، قبل ان ينتهي اليوم الاخير من الولاية الرئاسية البوشية الثانية. واذا كان ذلك لن يحدث، فستذهب الوعود البوشية مثلاً في التهرب.. أو فنلقل التكاذب.