ليس دفاعا عن توينبي

TT

وجدت حفيدة المؤرخ توينبي اسمها في قائمة المرشحين لجائزة «الاسلاموفوبيا» الى جانب بوش وشارون وعتاة اليمين المتطرف مع انها كانت محسوبة ذات حقبة على اليسار المعتدل كمعظم كتاب وكاتبات «الغارديان».

وقد استمعت اليها تحكي عن هذه الترشيح غير المرغوب فيه وتعيد ذلك الى صراحتها في التعبير عن آرائها الانتقادية للجاليات الاسلامية في الغرب، فلكل صراحة ثمن يدفعه الكاتب والفنان بأشكال شتى، وبوللي توينبي تظل قبل الترشيح لهذه الجائزة وبعده أفضل حظا من الهولندي فان كوخ (المخرج وليس الرسام) الذي دفع حياته ثمنا لانتقاده لموقف الإسلام من المرأة في فيلم سينمائي.

إن جائزة «الإسلاموفوبيا» لمن لم يسمع بها من قبل محاولة شبه ساخرة من جمعية غربية لحقوق الإنسان المسلم تحاول ان ترصد الكتاب والفنانين والسياسيين المصابين بعصاب الإسلام والذين ينتقدونه أكثر من غيرهم في الساحات المحلية والدولية.

ولو كانت الأجواء طبيعية لضحك الناس على المرشحين والمرشحات وعرفوهم وانتهى الأمر لكن أوروبا كما العالم الإسلامي مشحونة ومحتقنة من جراء ما يجري فيها وحولها من حركات تهدد السلم الاجتماعي وتحض على الكراهية بين الأعراق والعقائد وفي هكذا أجواء فان لكل كلمة حساسيتها المضاعفة.

في مثل هذه الظروف فان ترشيحا من هذا النوع الذي يختلط فيه الجد بالهزل يمكن أن يضع حياة المرشح في خطر ويجعله كما يعتقد البعض هدفا للجماعات المتطرفة، فما كل من يقرأ يدقق ونحن خير من يعرف ذلك بحكم التجربة الحية المتحركة فالرجل الذي طعن نجيب محفوظ لم يقرأ له حرفا واحدا مع أن كتبه تملأ المكتبات ومنتشرة في مصر والبلاد العربية أكثر من مؤلفات غيره.

أن الذين ينتقدون سلبية بعض الممارسات الإسلامية من متنوري الغرب وحفيدة توينبي منهم لا يقفون ضده كعقيدة تهدد حضارتهم إنما يخصون الممارسات الخاطئة التي ألحقت به عبر القرون وبالتالي يصعب القول أنهم مصابون بعصاب الاسلام فهذا ما نفعله نحن أيضا حين نغربل أطنانا من الكتب الصفراء المليئة بالتفسيرات المضحكة والخرافات والخزعبلات المكتوبة في عصور الانحطاط والتي تنسب للإسلام ما ليس منه.

نقطة أخرى تخفف من وقع انتقادات هؤلاء أنهم بلا أجندة خفية كما هو الأمر مع أعداء استراتيجيين معروفين في الأوساط الأكاديمية والإعلامية كبرنارد لويس وروبرت روي سيلك وغيرهما من الذين يلعبون عن قصد ومع سبق الإصرار دورا تخريبيا بين الإسلام والمسيحية .

وبصراحة أتمنى ألا تجرح المشاعر نحن لا نستطيع أن نطالب المفكرين والفنانين والكتاب الغربيين أن يكونوا إسلاميين أكثر من المسلمين أنفسهم ، فلماذا تحاسب الجمعيات الاسلامية في الغرب كاتبا غربيا على فكرة انتقادية عابرة لا تلزم غيره وتغض الطرف عن ممارسات رسمية ذات ذيول شرعية وقانونية ملزمة...؟ وتأسيسا على ذلك أليس البرلمان التركي الإسلامي أحق من توينبي بجائزة الاسلاموفوبيا...؟