واشنطن: تساؤلات حول الميزانية

TT

يبدو ان الفلسفة الاقتصادية لادارة الرئيس الاميركي جورج بوش تقوم على عصر الانفاق الحكومي، مقابل إرضاء دافع الضرائب العادي. ومع انه ما زال من الواجب الانتظار لبضعة ايام قبل إصدار اي احكام واقعية ومستندة الى دراسة وافية بشأن التأثير المتكامل للميزانية على الاقتصادين الاميركي والعالمي، فإن ثمة مؤشرات تبدو منذ الآن واضحة للعيان:

بداية تحمل الميزانية الجديدة جميع ملامح ما يمكن ان يصبح اسلوباً مميزاً لعمل إدارة بوش. وهي قُدّمت بعبارات ومصطلحات القصد منها كسب تأييد تيار الوسط في المجتمع الاميركي، بل وإغواء حتى اولئك القابعين في مواقع اليسار. غير ان القلب الصلب للميزانية يوحي بأنها تعبير واضح عن مصالح اليمين المحافظ في الساحة السياسية الاميركية.

فبوش يعد بإنفاق سخي على جملة من الخدمات الاجتماعية، ولا سيما التعليم، الذي اعتبره في رأس اولوياته. ولكن في الوقت نفسه يخطط الرئيس لتقليص الحصة التي تتحكم بها الحكومة الاتحادية (الفيدرالية) وتنفقها من إجمالي الناتج الوطني.

ثم ان في صميم الميزانية وموقع الصدارة منها الحسم الضريبي بحدود 1.6 تريليون دولار الذي اوصى به بوش. وفي حين ما زالت آليات إجراء الحسم او الاقتطاع مبهمة بعض الشيء، فإن ضخ جرعة من المحفزات للاقتصاد الاميركي في مقدمها تشجيع زيادة الطلب، خطوة تأتي في وقتها تماماً، امام خلفية التباطؤ الذي اخذ يضرب اطنابه.

وكان هذا الواقع في الحقيقة سبب إقدام «الاحتياطي الاتحادي» ـ اي البنك المركزي الاميركي ـ على خفض اسعار الفائدة خلال الاشهر القليلة الفائتة، ولعله سيواصل ذلك في الايام المقبلة ايضاً.

ولكن ماذا عن هواجس العودة الى محن التضخم العالمي؟

الظاهر حتى هذه اللحظة على الاقل ان بوش وافراد فريقه متأهبون لركوب موجة المجازفة. وهم يأملون بأن يتراجع الضغط التضخمي بطريقتين: الاولى بإبطاء نمو القطاع العام، والثاني بمواصلة الزيادة في الانتاجية.

وهكذا، فالميزانية التي يقدمها الرئيس الجديد هي اول ميزانية راديكالية تعرفها الولايات المتحدة منذ حاول الرئيس السابق جيمي كارتر، وفشل، في اعتماد خططه «الصفرية» عام 1977. الا ان ثمة سؤالاً يطرح نفسه وهو ما اذا كان النظام السياسي الاميركي جاهزاً لتقبل هذا اللون من الراديكالية؟

فراديكالية بهذا الحجم قد تثير انقساماً سياسياً حاداً يتبع الولاءات الحزبية في مجلسي الكونجرس بواشنطن. وانقسام من هذا القبيل لا بد ان ينسف ما تبقى من رواسب ثقة في الاقتصاد الاميركي خلال فترة عصيبة يمر بها اثر عقد كامل من النمو المطرد.