واشنطن... والاستمرارية

TT

بعد ان بدت الايام الاولى لادارة الرئيس جورج بوش (الابن) في واشنطن وكأنها مجرد تكملة لاحقة لسياسة الرئيس جورج بوش (الاب) السابقة تجاه منطقة الخليج، قد تكمن المساهمة الاساسية لزيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول الراهنة الى عواصم الشرق الاوسط في تذكير ادارة الرئيس (الابن) بأن عقدا كاملا انقضى على صياغة ادارة الرئيس (الاب) لدبلوماسية ما بعد الحرب الخليجية الثانية... فإذا جازت الاستمرارية في دبلوماسية واشنطن حيال دول الخليج فجوازها مرهون باخذ المعطيات المستجدة على سلام الشرق الاوسط بعين الاعتبار.

واذا كان من المنطقي تذكير الادارة الجمهورية الجديدة في واشنطن بأن معطيات العام 2001 مختلفة عن معطيات العام 1991فان أول ما يتوجب تذكيره للرئيس الابن ان ابرز ما انهار من طروحات الرئيس الاب، خلال العقد المنصرم، كان تطلعه الى نظام عالمي جديد تبّين، بعد التجربة والاختبار في عهد الرئيس بيل كلينتون، انه عصي التحقيق في الشرق الاوسط لاصطدامه بحائط الانحياز الاميركي المزمن الى اسرائيل.

في واشنطن، والعديد من العواصم الاخرى، قناعة روجت بقوة في عهد الرئيس الاميركي السابق، بيل كلينتون... قناعة تقول بان الولايات المتحدة لا تستطيع «الضغط» على اسرائيل.

أما القلة التي تناقض هذه «القناعة» فانها تدعي بأن العكس هو الصحيح، اي ان اسرائيل هي الجهة التي تضغط على الولايات المتحدة.

في هذا السياق بالذات يجوز تذكير ادارة الرئيس الابن بان الرئيس الاب ضغط جديا على اسرائيل في اعلانه وقف تقديم تسهيلات مالية لها بقيمة 10 مليارات دولار، كانت تطالب بها في اواخر التسعينات، وكان ضغطه فعالا الى حد حمل حكومة الليكودي المتشدد، اسحق شامير، على المشاركة مكرهة في مؤتمر مدريد للسلام.

وفي هذا السياق ايضا يصح تذكير وزير الخارجية الجمهوري الجديد، كولن باول، ان سلفه الجمهوري، جيمس بيكر، مارس ايضا سياسة الضغط على اسرائيل يوم تلكأت في الاستجابة الى دعوته لمؤتمر السلام وذلك بابلاغه حكومتها الليكودية، علنا، بانها اذا كانت ترغب فعلا بالسلام فما عليها الا الاتصال به على رقم هاتفه في وزارة الخارجية... فلم يمض طويل وقت على عودة الحرارة الى خط تل ابيب ـ واشنطن الهاتفي. وإذا كانت دبلوماسية الضغط هي المقاربة التي يتوسلها وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، في اقناع بعض العواصم العربية بالتزام كامل بالعقوبات الدولية المفروضة على العراق، فمن باب اولى ان يذكّر الضغط على العرب بقدرة واشنطن (الملجومة) على الضغط على اسرائيل.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فمن نافلة القول ان الضغط على العواصم العربية لن يكتسي المصداقية المطلوبة منه ما لم يقترن بضغط مواز على اسرائيل يعيدها الى طاولة المفاوضات السلمية وبطروحات جدية هذه المرة.

غني عن القول ان من المفترض، بأي مقياس سياسي واقعي، ان يسبق الضغط على اسرائيل اي ضغط مقابل على العواصم العربية، خصوصا ان ادارة الرئيس بوش (الاب) لمست لمس اليد، في نهاية التسعينات، ان الموقف الاميركي من منطقة الخليج يرتبط ارتباطا عضويا بموقفها من سلام الشرق الاوسط، ان لم يكن يرتهن بهذا الموقف. على هذا الصعيد فحسب تجوز الاستمرارية في سياسة الادارة الجمهورية من الشرق الاوسط.