العائدون

TT

هناك اخبار في العالم العربي لا تثير احداً ولا تخدع احداً. وهناك لغة وتعابير لم تعد تعني شيئاً لأحد في اي مكان. وهناك يأس عميم اصبح هو الحقيقة الكبرى، وفي حالات معينة، هو الحقيقة الوحيدة. وشواذ القاعدة قليل. ومن الانباء القليلة المثلجة عودة المعارضين الى البحرين بعد غياب ثلاثين عاماً. وسواء كان النفي ذاتياً ام حكومياً فهو أقسى الاحكام على النفس. فليس ما هو اصعب من حرمان البيت والارض. وشيئاً فشيئاً يتحول العالم العربي الى امتين، واحدة منفية واخرى تعاقب بالنفي. وهناك النفي السياسي والنفي الاقتصادي ونفي الفقر، لكن النتيجة واحدة، وهي اننا الشعب الاكثر انتشاراً في ديار الله الواسعة.

التجربة البحرينية الجديدة خطوة ادبية تحتذى. وما على الدولة إلا ان تفتح الابواب وترفع القناطر. الباقي قرار المعارضين انفسهم. لكن لا يحق لأحد رفض الدعوة الى المصالحة الوطنية والعودة الى حضن الوطن. العودة ليست خياراً بل فرض. وأتمنى ان يأتي يوم لا يعود فيه منفي سياسي في العالم العربي. وان يأتي يوم آخر لا تعود فيه ارقام هجرة العراقيين والسودانيين واللبنانيين والمغاربة، مفزعة الى هذا الحد. لأن الهجرة الواسعة الى هذا المدى هي في النتيجة منفى آخر. ولا يجوز ان تكون المهاجر اكثر رأفة من الاوطان واكثر اهتماماً واحياناً اكثر عدلاً. لقد كانت مقاهي القاهرة ذات مرحلة تعج بالمنفيين السياسيين من البلدان العربية الاخرى. وكذلك كانت مقاهي بيروت. وكانت مصر تخصص موازنة خاصة لمعيشة المنفيين الذين كانت الناصرية وراء حركاتهم السياسية في اي حال. وقد انتهت تلك المرحلة التي كان فيها المنفى للنخبة ليصبح المنفى للجماعات والشعوب.

التجربة السياسية الجديدة في البحرين تقوم على فتح الأبواب كلياً وامام الجميع. وأهم ما فيها انها لم تضع شروطاً ولا استثناءات. ولم ترفع في وجه العائدين ملفات الماضي. فالعفو هو العفو. والباب المفتوح لا يشرع في وجه البعض ويغلق في وجه البعض. ولكن ايضاً لا يجوز ان تقابل الخطوة البحرينية الا بما هي. ولا يجوز ان ترفض من الخارج. فأي حوار مستقبلي يجب ان يكون حواراً في الداخل. ليس هناك ما هو اسوأ من المنفى، حتى لو كان اجمل المدن.