مشاركة حزب العمل اعتراف بأن السلام ليس على جدول حكومة شارون

TT

كان الاعتقاد السائد ان شارون عندما قدم حقيبتي الدفاع والخارجية لحزب العمل، كبّل بذلك يديه وحدّ من حرية تحركه، لانه وافق على قبول كل ما يقترحه الحزب، لكنه قدم ذلك العرض لاعتقاده بانه الطعم الذي سيغري فيه شيمون بيريز وايهود باراك، واعتقد ايضا ان الاثنين سيحملان حزبهما لدعم الدخول في حكومة وحدة وطنية.

انما الذي جرى يوم الاثنين داخل حزب العمل، كشف عن تمزق داخله حتى على المناصب. فبعد اقتراع بنسبة 67% على المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية مقابل 32%، قررت اللجنة المركزية للحزب ان لا توافق على ما يعتبره المرشحون تحصيلا حاصلا ـ فشيمون بيريز كان يعتبر ان مركز وزير الخارجية مخصص له، ومع استقالة باراك، اعتبر بنيامين بن اليعازر ان حقيبة الدفاع من نصيبه ـ لان اليوم (الخميس)، سيتنافس المرشحون للمشاركة في الحكومة على المناصب التي وعدهم بها شارون، بمعنى ان كل فرد سيقاتل لنفسه ليحصل على اعلى نسبة من اصوات اللجنة كي ينال المنصب الذي وعد نفسه به.

وهكذا، فان الاقتراح الذي كبل يدي شارون يكاد ان يمزق حزب العمل اكثر واكثر، ويصب في مصلحة شارون، لان حزب عمل منقسماً سيضعف المعارضة السياسية لخطط شارون، ثم ان انقسام الحزب سيسمح لشارون بكسب صقور العمل الى جانبه، وكذلك الطامحين الى خلافة باراك في زعامة الحزب، وقد برز حاييم رامون المرشح لزعامة العمل والذي دعم حكومة الوحدة الوطنية، فهو هاجم باراك للتنازلات التي قدمها فأدت بنظره الى نسف السلام «قلت لباراك انه اذا وافق على تقسيم القدس وعلى اعادة اللاجئين الفلسطينيين، ورفض الرأي العام الاسرائيلي هذه الطروحات، فانه يكون قد سدد طعنة قاتلة لعملية السلام».

نواف مصالحة النائب السابق لوزير الخارجية واحد اعضاء حزب العمل صوّت ضد قرار المشاركة في حكومة وحدة وطنية برئاسة ارييل شارون، لاعتقاده بان حزب العمل يجب ان يكون المعارضة الرئيسية في اسرائيل من اجل ان يستعيد قوته ويتحدى الليكود بعد سنة او سنتين.

المعارضون من حزب العمل لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة شارون يرون ان ما اقترحه باراك للسلام كان الاقرب لكي يقبل به الفلسطينيون، رغم ان ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية رفضه، ولا يعتقد هؤلاء ان حكومة الوحدة الوطنية برئاسة شارون، يمكنها ان تقلص الفجوات مع الفلسطينيين، ويتخوفون من انهم مقبلون على مواجهة التصعيد من قبل الطرفين: الفلسطيني والاسرائيلي. وكان شيمون بيريز ابرز المرحبين بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، وهو المعروف بجنوحه نحو تحقيق السلام مع الفلسطينيين، انما هذا لم يطمئن المعارضين مع معرفتهم بان بيريز عمل مع شارون، ذلك ان وزراء ـ مهمين ـ آخرين صوتوا ضد المشاركة مثل وزير الخارجية شلومو بن عامي ووزير العدل يوسي بيلين ورئيس البرلمان ابراهام بورغ. انما لا يتخوف المعارضون من ان يؤدي هذا الى انقسام في حزب العمل، ذلك ان الذين رفضوا المشاركة في الحكومة من الحزب اكدوا انهم سيكونون جزءا من الائتلاف الوطني.

بعض المراقبين السياسيين، من خارج حزب العمل، غير متفائلين باستمرار وحدة الحزب، ذلك ان الجدل الحقيقي الدائر في صفوف حزب العمل، ليس المتعلق بالانضمام الى حكومة الوحدة الوطنية، انما حول المبادئ التي يلتزم بها الحزب ويدافع عنها. ويعتقد المراقبون ان حزب العمل أفلس من كل طرح ممكن للسلام، لان ياسر عرفات رفض اقتراحات باراك للسلام ولا يجد الحزب بديلا يطرحه للناخبين ويسمح له باعادة بناء نفسه، من هنا يجد الحزب نفسه في موقف صعب يبحث عن طروحات جديدة مقنعة.

لذلك، يحاول بعض كبار الحزب التمسك بمسألة ان الحزب قادر على صنع السلام، ويتطلعون صوب شيمون بيريز الذي عاد وبرز كأهم شخصية في حزب العمل، ويرون انه سيشارك في حكومة شارون من اجل تليين ميول اليمين المتطرف الخطيرة، التي كان يمكن لشارون ان يندفع نحوها من دون حزب العمل، ولذلك، عندما ستواجه الحكومة المقبلة الفلسطينيين، لان هذا ما سيحصل على المدى القصير، فلن تكون شديدة التطرف بأساليبها العسكرية، ليس لاعتقادهم بانهم سيحققون السلام مع حكومة يشاركون بها ويرأسها شارون، بل لمنعه من الاقدام على شيء يحمل اسرائيل على خوض مجاهل حرب جديدة.

رغم هذه التبريرات لمشاركة حزب العمل في الحكومة، يبقى السؤال:

هل يمكن لرجل مثل شارون، مع ماضيه الحافل بالحسابات الدموية الخاطئة، ان يكون مستعدا كي يصغي لحزب العمل؟

هناك من يجيب على هذا التساؤل بانه من الصعب التخمين الآن، لانه في الاشهر الاخيرة برزت شخصيتان لارييل شارون.

الاولى: شخصية الرجل الذي يتكلم بتهديد مستمر ويعكس السنوات التي اكسبته سمعة مثير الحروب، والثانية: شخصية الرجل الذي صقلته السنوات ولجمت من حدته.

وليس واضحا اي الشخصيتين ستسيطر عندما تتشكل الحكومة الجديدة في الايام القليلة المقبلة. ويعتقد بيريز الذي عرقل مشاركة باراك والغاه تقريبا من الحياة السياسية، ان شارون الاكثر اعتدالا، والذي انضجته السنوات، هو الذي سيتفوق، ولهذا بدأ (بيريز) يضع الخطوط الرئيسية للحكومة المقبلة بحيث يلتزم شارون بعدم بناء مستوطنات جديدة ويتعهد بأن يحترم الاتفاقات التي وقعتها اسرائيل مع الفلسطينيين، وكما يقول بيريز، ان الليكود وشارون وقعا اتفاقية اوسلو مع الفلسطينيين، بعد ان بدا ان كل الاحزاب الاسرائيلية والفلسطينيين يحاولون التخلص من اتفاقية اوسلو.

مصدر بريطاني قال لـ«الشرق الاوسط» ان شارون سيواجه اضطرابات من اليمين المتطرف ومن امور اخرى، ابرزها ان البرلمان الاسرائيلي منقسم على نفسه، فرغم مشاركة حزب العمل في حكومته، فان هذا لن يكفيه للحصول على اغلبية في البرلمان، بل يحتاج الى احزاب يمينية متطرفة اخرى، وهي ستشده الى اليمين والعمل سيشده الى اليسار، ولهذا السبب فان بنيامين نتنياهو الشخصية الاكثر شعبية حاليا في السياسة الاسرائيلية، فضل المراقبة وعدم المشاركة في انتخابات رئاسة الحكومة، ليقينه بان حكومة يرأسها شارون ستسقط قريبا وستجري انتخابات عامة في اسرائيل.

قد يقضي على طموحات وحسابات نتنياهو الموقف الاخير الذي اتخذه وزير العدل السابق يوسي بيلين بعدم الاستقالة من الكنيست وذلك من اجل نسف حكومة شارون من الداخل، وكان بيلين اشد المنتقدين لقرار حزب العمل بالانضمام الى حكومة شارون، لتأكده بان الرأي العام الاسرائيلي سيدرك قريبا ان شارون غير قادر على تقديم السلام لانه لا يعتبر الفلسطينيين شركاء جديين في المفاوضات.

وقد اعتبر بيلين قرار الحزب قراراً خاطئاً وتأسف لان حزبه وقع في هذا الفخ، فخ الانضمام الى حكومة يمينية برئاسة شارون الى جانب وزراء يكادون يؤمنون بالتفرقة العنصرية، ويأمل بيلين ان لا يكون عمر حكومة شارون طويلا، وان يدرك الناس بسرعة بان ما تسمى حكومة الوحدة الوطنية ليست بالامل الحقيقي للسلام.

واعتبر بيلين ان ييريز اخطأ هذه المرة، خصوصا انه سمح لشارون بتحقيق انجاز ما كان ليحلم به، بان اتى بحائز جائزة نوبل للسلام ليقف الى جانبه في الحكومة، ويقول بالتالي للعالم ان حكومته هي حكومة سلام.

العارفون، وهم كثر، متأكدون من ان حكومة شارون لن تكون حكومة سلام، فشارون لا يرغب بحل نهائي، فهو لا يعتقد بوجود شريك جدي (الفلسطيني) وبالتالي لا فرصة لتحقيق سلام نهائي. وسيستفيد من وجود وزراء من حزب العمل ليشرحوا ويفسروا ما يقول، ولهذا فالطروحات القائلة ان مشاركة حزب العمل بحكومة الوحدة الوطنية هدفها منع شارون من الانزلاق في منعطف خطير او لمساعدته للتطلع الى السلام، ليست بطروحات جدية، ولن يمضي وقت طويل قبل ان يدرك الجميع ان مثل هذه الحكومة يجب ان لا تستمر.

ان قرار حزب العمل بالمشاركة هو بمثابة اعتراف بان توقيع اتفاق للسلام مع الفلسطينيين ليس على جدول الحكومة المقبلة، وانها ستكون حكومة لادارة الازمة. ويرى بيلين ان الكثيرين من نواب حزب العمل يعتقدون هكذا، لكن مشاركة بعض وزراء العمل في الحكومة، ستعطي شرعية لهذه النظرة وبالتالي ستطول الطريق المؤدية الى السلام. ولهذا فانه، كما وعد، سيبذل اقصى ما يستطيع لمحاربة الحكومة المقبلة وهو ضمن حزب العمل، وسيقترح على زملائه بعدم الاقتراع للحكومة وان لا يمنحوا الثقة لشارون، ويحاولوا تقصير فترة حكمها.

ونفى بيلين ان يكون في نيته تشكيل حزب عمل جديد، بل اكد انه سيحاول تغيير اسلوب الحزب وليس تقسيمه، فهو اكبر واقدم حزب في اسرائيل.

ما يؤكد بأن الاولوية لن تكون للسلام في حكومة شارون هو ما قاله لزعماء اليهود الاميركيين الاسبوع الماضي قبل وصول وزير الخارجية الاميركي كولن باول، قال شارون: ان الادارة الاميركية السابقة ركزت كثيرا على عملية السلام (...) وعلى الادارة الجديدة ان تؤكد على مواجهة الارهاب، كما حثهم على اتخاذ كل الخطوات اللازمة لابقاء القدس موحدة وتحت السيادة الاسرائيلية، وابلغ وفدا من مجلس الشيوخ الاميركي بان على عرفات ان يتحرك لتدمير البنية التحتية لحماس والجهاد الاسلامي والمجموعات الفلسطينية الاخرى المعارضة لاسرائيل! وكرر ذلك في حديثه الى صحيفة «هاآرتز» الاسبوع الماضي.

يعتمد شارون على حزب العمل لتنفيذ سياسته، وكانت موافقة هذا الحزب بعد استقالة باراك، غير مشروطة بعدم مشاركة زعماء اليمين المتطرف مثل زئيفي (راحافام) وليبرمن (افيغدور) فالاول شبه عرفات بهتلر والثاني حث اسرائيل على قصف السد العالي في مصر، وبيروت. لهذا، فان موافقة حزب العمل على المشاركة ستعطي ايضا الضوء الاخضر للجيش الاسرائيلي لتكثيف عملياته ضد الفلسطينيين وضد حزب الله في جنوب لبنان.

وكان قادة الجيش الاسرائيلي قد عقدوا الاسبوع الماضي اجتماعا لتقييم ما يجري من مناوشات على الحدود الشمالية لاسرائيل، وقال متحدث باسم المؤسسة العسكرية الاسرائيلية انها ترغب في تغيير السياسة المعتمدة على الحدود الشمالية (...) لايجاد الردع اللازم، وقال: «علينا ان نقوم بعمليات ضد حزب الله لا ان يقتصر دورنا على الرد، واذا ما حدث هجوم من قبل الحزب على المدنيين او الجنود، عندها يجب ان نقصف اهدافا في عمق لبنان».

وقال الناطق ان السلطة الفلسطينية فقدت سيطرتها على الانتفاضة. وكانت المؤسسة العسكرية قد طالبت بضخ اموال اضافية على ميزانيتها كي تستدعي الاحتياط، وتحرر القوات النظامية كي تنصرف للتدريبات على الحرب.