ما بين قواعد حماة .. وقواعد بغداد..!

TT

قبل حوالي أسبوعين توقف أحد أصدقاء رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عند مكتبي، لإطلاعي على ما هو جديد في الشأن اللبناني، وتوصيل رسالة لي من الحريري الذي أعرفه منذ بدئي إرسال تقاريري من بيروت في أواخر السبعينات. تقول الرسالة إن المعارضة للوجود السوري في لبنان قد أصبحت موحدة ـ وهذا تحت تأثير المثال العراقي والتجاوزات المتصاعدة للاحتلال السوري. وقال صديق الحريري إنه، أي الحريري، يخطط لاستخدام الانتخابات اللبنانية المقبلة، ويأمل بتحقيق نصر مبين للمعارضة كي يكون ممكنا بعث رسالة حقيقية للسوريين: حان الوقت كي تذهبوا.

حسنا، يا رفيق فهذه الرسالة مني إليك، ولكن وأسفاه، أنك لن تستطيع قراءتها.

سيكون من الصعب إثبات من قتل الحريري، لكن الحكم السوري يمتلك كل القدرات والخبرات والحوافز لقتل رجل الدولة اللبناني للطريقة التي تعاون وفقها مع باريس وواشنطن، كي تتم المصادقة على قرار الأمم المتحدة الأخير رقم 1559، الذي يدعو سورية إلى الانسحاب من لبنان. وكان الحريري قد ضغط باتجاه صدور القرار الدولي ثم استقال من مكتبه، بعد أن قامت سورية بتشويه النظام الديمقراطي اللبناني، عن طريق قسر البرلمان كي يوافق على تمديد 3 سنوات لرئاسة أميل لحود.

حينما يشعر النظام السوري بأنه محاصر، يلجأ دائما إلى «قواعد حماة». وقواعد حماة هي مفهوم تبنته بعد أن قام الجيش السوري بمسح كلي لجزء من تلك المدينة، كي يقمع تمردا قاده أصوليون مسلمون هناك عام 1982. وتم دفن ما بين 10 و20 ألف سوري تحت حطام المدينة المهدمة. وكان لقتل الحريري، الملياردير العصامي الذي كرس أمواله وطاقته لإعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية، يوم الاثنين الماضي، كل الخصائص التي تتمتع بها «قواعد حماة» ابتداء من الديناميت الذي يبلغ وزنه حوالي 300 كغم، إلى حرق موكب السيارات المدرعة.

إنها رسالة من النظام السوري إلى واشنطن وباريس والمعارضة اللبنانية تقول: «أنتم تريدون أن تلعبوا هنا، إذن من الأفضل لكم أن تكونوا مستعدين للعب وفق قواعد حماة. أنتم تريدون أن تحاصرونا بواسطة العراق من جانب والمعارضة اللبنانية من جانب آخر، لذلك فإنه من الأفضل بالنسبة لكم أن تضعوا ما هو أكثر من القرارات الدولية فوق طاولة المفاوضات. عليكم أن تكونوا مستعدين للذهاب كل الطريق، لأننا سنقوم بذلك. لكنكم أيها الأميركيون مرهقون بسبب العراق، وأنتم اللبنانيون لا تمتلكون الشجاعة التي تمكنكم من الوقوف في وجهنا، وأنتم الفرنسيون قادرون على صناعة خبز على هيئة هلال، لكنكم لا تمتلكون «قواعد حماة» في ترسانتكم. نحن نطلق النار على الصليب الأحمر. نحن مسحنا مدننا. أنتم تريدون أن تلعبوا وفق «قواعد حماة» فدعونا نرى ما في حوزتكم، وإلا فوداعا».

ومع ذلك فهناك معيار لمقياس درجة القرف التي يشعر بها اللبنانيون من الاحتلال السوري، حيث راح الجميع ابتداء من السياسيين اللبنانيين الكبار، مثل الشجاع وليد جنبلاط، إلى المتظاهرين في الشوارع باتهام سورية باغتيال الحريري.

ماذا يستطيع اللبنانيون أن يفعلوا؟ عليهم أن يوحدوا طوائفهم وأن يضربوا النظام السوري بـ«قواعد بغداد» التي ظهرت على أرض الواقع قبل عشرة أيام من قبل الشعب العراقي. «قواعد بغداد» هذه يجسدها قيام جمهور عربي بعمل غير متوقع حدوثه تماما: أي خروج أفراده إلى الشوارع على الرغم من التهديد بالعنف من قبل الجهاديين والبعثيين للتعبير عن إرادتهم الديمقراطية.

كان رفيق الحريري قد توقف عن اللعب وفق «قواعد لبنان»، التي وفقها يقبل اللبنانيون بابتلاع أي طعام يلقيه السوريون لهم، وبدلا من ذلك قام بتحديهم، وإذا أراد اللبنانيون أن يتحرروا فعليهم أن يكونوا في مقدمة الصفوف، وأن يستجمعوا نفس الشجاعة التي أظهرها الحريري ونفس الشجاعة التي أظهرها الشعب العراقي، في الوقوف بوجه الفاشيين وجها لوجه، وتسميتهم بأسمائهم عبر المؤتمرات الصحافية وعلنا، ومواجهة الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية تجاه رغبتهما بتجاهل الاضطهاد السوري.

ليس هناك شيء يمكن له أن يفقد سورية صوابها أكثر من العصيان المدني وتبيان الحقيقة، أي أن يكف الناس عن الخوف من الترهيب ويقفوا من أجل حريتهم ويقوموا بإضراب، وأن يلعبوا وفق «قواعد بغداد»، أي أن يرفع اللبنانيون الإصبع البنفسجي أمام النظام السوري في كل مكان وكل يوم.

* خدمة «نيويورك تايمز»