.. من هم أصحاب السوابق في الاغتيالات..؟

TT

ذهب السيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق من عالم الاحياء في ظروف شديدة المأسوية، وبسرعة توازي السرعة التي جاء بها الى عالم السياسة المحلية في لبنان بعد الحرب اللبنانية التي يسميها البعض «الحرب الاهلية اللبنانية» وبعض آخر، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية اللبنانية السابق السيد الياس الهراوي، «حرب الآخرين على الارض اللبنانية»، وكذلك الى عالم وسراديب السياسات الاقليمية والى قصور وكهوف وأقبية الاجهزة السرية واحتكارات النفط في الدول المهتمة بثروات الشرق الاوسط النفطية وموقعه الجغرافي موزعة في الصراعات الدائرة على امتداد العالم بين القطب العالمي الوحيد في الزمن الحالي من جهة، وكل القوى التي تشعر انها مهددة بسياسة السيطرة على العالم وعلى الشعوب بالقوة من جهة اخرى.

والشعوب التي حصلت على استقلالها مع انهيار النظامين الكولونيالي والامبريالي وسارت على طريق الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية وبناء اقتصادي وطني يساهم في رفع مستوى الشعوب المعاشية والثقافية والاقتصادية وغيرها هي التي تجد نفسها في عصر الدولة العظمى الوحيدة مهددة في حريتها واستقلالها وسيادتها ومعرضة لعدوان آلة الحرب الاميركية، التي انفلتت من العقال ومن مبادئ ميثاق الامم المتحدة ومن القانون الدولي وتحاول وضع نفسها فوق منظمة الامم المتحدة، وكل القوانين والمواثيق والقرارات والمحاكم الدولية.

وقد رضخت دول نامية كثيرة لاملاء الدولة العظمى الوحيدة ففتحت ابوابها امام القوات الزاحفة للهيمنة على العالم وثرواته النفطية، فقامت القواعد العسكرية الاميركية في قطر والكويت والبحرين وفي جيورجيا واذربيجان وعلى حدود افغانستان مع الصين وايران، والبلدان النفطية على الشواطئ السابقة للاتحاد السوفيتي على بحر قزوين.

هذه الدول النامية التي رضخت ظنت انها وجدت زورق الخلاص بالتبعية للولايات المتحدة، الا ان دولا بالذات في اميركا اللاتينية، والبلاد العربية رفضت الاستسلام امام الامبراطورية الاميركية الموجودة في حالة التكون العسيرة ومنها سوريا ولبنان. وقد تخيل حكام الولايات المتحدة ان سوريا (البعثية) ستقف رغم خلافاتها مع النظام العراقي (البعثي) عندما ترتد عليه الولايات المتحدة من الكويت الغنية بالنفط والطالبة للأمن والامان تحت ابط الولايات المتحدة، فتضرب بذلك بلدين عربيين يشكلان قوة اقليمية كبيرة ونواة لجبهة اقليمية ذات وزن كبير في المعادلة مع اسرائيل، وهي المعادلة التي كان الرئيس السوري الراحل الكبير حافظ الاسد يسعى اليها من منظور استراتيجي لتكوين جبهة شرقية تكون زواياها الثلاث سوريا ـ العراق ـ ايران لتقف في وجه الامتداد والانتشار الاسرائيليين في المنطقة العربية والاسلامية.

ومع غياب الاتحاد السوفيتي عن الساحة الدولية انهارت الاتفاقات الدولية السابقة حول مناطق النفوذ، وتقدمت الولايات المتحدة لوضع اليد على موارد ومنابع وطرق نقل النفط، وابتدعت نظرية الارهاب وحولتها، وهي من صنع يدها، الى فزاعة لشعبها وغيره من الشعوب، وذهبت من اجل ذلك الى افغانستان وجورجيا واذربيجان، وحاولت وفشلت في وضع اليد على نفط فنزويلا وقلب حكومتها.

وهذه السرعة الاميركية لوضع اليد على نفط العالم واستخدامه لفرض ارادتها على الدول الأخرى بما فيها الدول الحليفة السابقة التي تعمل لايجاد تكتل اوروبي كبير يقف في وجه الولايات المتحدة وحربها الاقتصادية على اوروبا، دفعت الى نزاعات مع الدول الأوروبية والى تسويات وقتية في هذه او تلك من مناطق العالم.

ومن هذه التسويات التي سعت اليها الولايات المتحدة بعد وقوف قواتها المسلحة في العراق على ابواب هزيمة، قد تصبح تاريخية، مؤذنة ببدء انحسار التمدد العسكري الأميركي في العالم. ويبدو ان حكام الولايات المتحدة يشعرون بالهزيمة المقبلة بعد ان استحال عليهم الانتصار، ولذلك يحاولون عبثا قطع الطريق على الهزيمة بزيادة الايغال في استعمال القوة، وحتى الأسلحة المحرمة على النحو الذي جرى في فيتنام، في نفس الوقت الذي يتحدثون عن وضع استراتيجية للانسحاب من العراق.

وكل شيء في المنطقة ينبئ بأن الهزيمة في العراق قادمة، وان الانسحاب العسكري من العراق قادم ولاراد له، ولذلك يحاول حكام الولايات المتحدة التفتيش عن مشجب تعلق عليه الهزيمة، وعن عدو مزعوم يتآمر لإلحاق الهزيمة بالقوات الاميركية المحتلة في العراق، ومن هنا جاءت الاتهامات الاميركية والعقوبات لسوريا. كما جاء اتهام سورية باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري حتى قبل ان يشيع خبر الجريمة في العالم، مع ان أي منطق سليم يجب ان يستبعد سوريا من دائرة الاتهام، فسوريا المعرضة منذ بعض الوقت للاتهامات والافتراءات الاميركية تسعى الى تهدئة الأوضاع حولها، السياسية والعسكرية، والى تقديم تنازلات هنا وهناك بما في ذلك تنازلات أمام الولايات المتحدة، أخذت تقترب حتى من الخطوط الحمر التي لا يجرؤ أحد في سوريا على تجاوزها، كما اقامت جدارا ترابيا عاليا على حدودها مع العراق قضت به على الاتهامات المختلقة بأن المقاتلين في داخل العراق يأتون عبر سوريا، وكأن المقاومة ضد الاحتلال تصدر أو تستورد، وكأن المتطوعين الآتين من هنا وهناك يستطيعون وهم غرباء عن الأرض والسكان والتضاريس، إلحاق الهزائم والخسائر اليومية بالمحتلين.

ان سوريا ليست في مأزق لتعمل على إثارة التوتر في المنطقة وعلى قلب الأوضاع رأسا على عقب. الذي في مأزق هو الولايات المتحدة الاميركية التي منيت قواتها المسلحة بهزيمة امام المقاومين العراقيين. هذه الدولة العظمى تحاول تحويل انظار الناس في العالم عن «الهزيمة الاميركية في العراق»، لأنها في حاجة الى مادة تصرف بها الانظار عن العراق وعن الهزيمتين العسكرية والسياسية في العراق والمنطقة.

الذي يحتاج الى ستارة عسكرية، وأخرى سياسية، هو الذي ارتكبت قواته جريمة العدوان وكل الجرائم الأخرى المترافقة معها.

لقد سقطت الولايات المتحدة وقواتها في المستنقع العراقي وفي جريمة الغزو والعدوان والارهاب، أما سوريا فإنها تسعى الى السلام والاستقرار وتنفيذ مبادئ وقرارات الامم المتحدة. اما الولايات المتحدة فإنها الدولة صاحبة التاريخ الطويل في الاغتيالات السياسية والانقلابات العسكرية والحروب العدوانية. والاغتيالات هي واحدة من أهم الأسلحة الاميركية، قديما وحديثا، فمن الذي قتل رئيس تشيلي الليندي، ومن الذي ارسل السيكار القاتل مع (الجميلة) الى فيدل كاسترو لقتله به؟ والقائمة طويلة جدا، واضبارات التحقيقات في مجلس الكونغرس الاميركية تعطي الراغبين في المزيد اضبارات كثيرة موجودة في مكتبة الكونغرس.

ان الذي يسحب قواته من بلد شقيق باتفاق ثنائي، ويرسل نائب وزير خارجيته الى المعارضين للحكومة اللبنانية والموالين لها ويعمل لتحقيق الوفاق الوطني اللبناني وتأمين السلم والهدوء، لا يمكن ان يشعل النار في لبنان.

* صحافي سوري، مدير المكتب الصحافي

للرئيس الراحل حافظ الأسد