هناك قرارات مهمة وتاريخية، ولكنها غبية. قرار اغتيال الحريري كان هكذا، ويمكن تشبيهه بالقرار العبقري الغبي الآخر، قرار صدام حسين غزو الكويت. كل زلزال له توابع، هكذا سنة الأمور. والتابع المدمر لزلزال جنوب شرقي آسيا الأخير والذي عرف باسم التسونامي أتى على الأخضر واليابس في مناطق الدول التي أصابها.
واليوم هناك «تسونامي» سياسي هائل يضرب لبنان جراء اغتيال رفيق الحريري. وهو الاغتيال الذي سيكون بمثابة 11 سبتمبر لبناني ينقل هذا البلد من حال الى حال. الحريري وحّد لبنان أو معظمه في حياته، وها هو يوحد كل لبنان في وفاته.
الكثيرون من العرب مصابون بوفاة الحريري والكثير منهم يشعر أن خسارتهم شخصية جدا. وفي السعودية تحديدا لا يزال حادث اغتيال رفيق الحريري بهذه الصورة البشعة والوحشية والحقيرة سببا لدهشة وصدمة هائلة للكثيرين، وأزعج السعوديين أيضا «زج» اسم بلدهم كعامل وسبب في عملية الاغتيال حين أذاعت «الجزيرة فون»، المحطة المتخصصة بإذاعة الشرائط الصوتية والمرئية لإصدارات الجماعات الارهابية الترفيهية، شريطا عن جماعة مجهولة بلسان شخص مجهول يتبنى العملية انتقاما من السعودية.
وبالرغم من أن بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة جسمها «لبيس»، كما يقول اللبنانيون، ولكن في هذه الحالة يعتبر هذا الادعاء «واسعا» كثيرا!. السعوديون المعنيون بلبنان والمغرمون به والمتعاملون معه والمصاهرون له والمسافرون إليه لهم روابط عديدة بهذا البلد، وها هو جيل جديد يرتبط به من جديد عن طريق نافذة الحريري. وهم اليوم في حيرة من أمرهم ماذا يفعلون؟ هل ينقطعون عن لبنان؟ هل يسافرون اليه؟ هل يشترون فيه أم يبيعون ما لديهم؟ حوارات وهواجس ومخاوف وقلق هائل يسري في قلوب سعوديين كثيرين لما حدث في لبنان. فمقتل الحريري هو «إهانة» لهم لأن الحريري كان محسوبا على السعوديين.
الامام أحمد بن حنبل كان يقول «موعدنا الجنائز»، ولعل جنازة الحريري المهيبة التي انطلقت في بيروت هي أكبر شهادة في حق الحريري. ومن أحب الله حبب فيه خلقه، كما يقول الحديث الشريف. لا أحد يعلم أو يتنبأ بتوابع ما حدث، ولكنها حتما ستكون كبيرة.
يقولون في عالم الاقتصاد انه في الظروف السيئة تسنح فرص الشراء بأسعار منافسة لعمل ربح سريع لاحقا، وعندما سئل خبير مالي عن فرص الشراء والاستثمار اليوم في بيروت في هذه الظروف السيئة، رد: انسوا بيروت.. واشتروا في مكان آخر. واللبيب من «الاستشارة» يفهم!!.