التحقيق في الجريمة (1 ـ 2)

TT

أتفهم خوف المسؤولين اللبنانيين من القبول بفريق تحقيق دولي ، تفرضه عليهم الأمم المتحدة خلال الايام المقبلة، لأن وضعها سيكون صعبا ومحرجا وربما خطيرا. وانا لا اعتقد ان الفريق الأممي المتخصص الذي قد يأمر به مجلس الامن قادر بالضرورة على الكشف عن الجناة ، لأن الجناة لم يتركوا خلفهم هواتفهم او اقرارا بفعلتهم الشنيعة ، وكثير من جرائم الاغتيال السياسي بقيت غامضة.

ويراودني شك في قدرة المحققين على الكشف عن كل الحقيقة ، لأن الجريمة كبيرة ، ومتقنة ، ولا نرى خيطا وراءها سيدل عليها. اما الحديث عن حجم حفرة الانفجار، او اتجاهاتها، او طبيعة التفجير بسيارة انتحارية ، او سيارة مفخخة ، وصلت بسلك او لا سلك، ربطت به عجينة التفجير، وطبيعة المواد المستخدمة ، ومن اين اشتريت، ومن صنعها، وتاريخها، كلها لا تكفي لاعلان الفاعل او الكشف عن هويته. لكن التحقيق الدولي خطوة ضرورية لنزع فتيل الاشتباك بين اللبنانيين، ووسيلة ردع لردع السلطات اللبنانية التي تلمح لاستخدام العصا الغليظة ضد معارضيها. وقد حان الوقت لتعرف انها لم تعد الحاكم الأوحد او الثاني في لبنان ، بعد ان دخل مجلس الأمن طرفا، وهو الذي ضرب مثلا على عزمه التدخل بما فعله في دارفور، فلجم بذلك ميل السلطات السودانية لاستخدام الحل العسكري.

أتفهم خوف السلطات اللبنانية من تحقيق دولي ليس بسبب الخوف من كشف الفاعلين، فهذه مسألة لا اتخيلها سهلة او متاحة، بل لما سيعنيه التحقيق من احراج وكشف طبيعة عملها على الأرض. المفتشون سيطالبون بالاطلاع على حركة الاجهزة الامنية وملفاتها، والتحقيق مع رجالها ايضا. الفريق الدولي سيملك الحق في مراجعة المعلومات، وكشوف الاتصالات، وتقصي الاسماء المشتبه في ضلوعها في الجريمة. سيكون من حقه درس ارض الجريمة، وتفنيد طروحات السلطات المحلية ان كانت مخطئة. وسيكون من حقه الاستعانة بمعلومات اجهزة الاستخبارات الدولية التي ترصد لبنان وحركته ، وما قد تقدمه من معلومات مسجلة او مصورة. كل هذه الاحتمالات واردة في مجال البحث والتفتيش، وستكون موضع متابعة محلية كبيرة ، وستعطي صورة افضل حول ما حدث ، وليس بالضرورة ستلقي القبض على الفاعلين او تكتشف اسماءهم. والمأمول من التحقيق الدولي ان يكشف على الأقل طبيعة الجناة وارتباطاتهم ، سواء كانوا جماعة متطرفة، كما تريد السلطة المحلية الايحاء بذلك، او مرتبطة بالنظام السياسي الحالي، كما تلمح الى ذلك المعارضة.

والذي يمكن ان يقود اليه التحقيق الدولي ليس فقط البحث في جريمة القتل البشعة ، بل ايضا حسم آلية العمل السياسي في لبنان نفسه، وهو ما كان سيؤدي اليه على اية حال قرار مجلس الامن 1559 الذي ادخل الموضوع اللبناني ساحة الحسم الحقيقية. الجريمة سرعت بالأمر ومنحته الشرعية ، واعطته الشعبية اللبنانية والاقليمية أيضا. وهذا ما لا تفهمه السلطة اللبنانية ، التي تعتقد انه يمكن احتواء المأساة بالتأكيد على براءتها وتضامنها ، في حين ان التغيير المطلوب تجاوز قضية القتل الى الحكم نفسه.

[email protected]