الأمانة وعدمها

TT

أسوأ تجربة يمر بها إنسان هي أن يتعرض لسرقة، سواء في بلاده أو في خارجها، وقد تعرضت لذلك عدة مرات، رغم أنني لا أنكر أنني قد أخذت من أحد الفنادق (مخدّة) لأنها ريحتني وأعجبتني، وكنت ناويا أن أضيفها إلى فاتورة الحساب، لكنني نسيت وجلّ من لا ينسى، وكذلك وضعت (منشفة) بالغلط في شنطتي، وكانت هي التي (قصمت ظهر البعير) ـ أي ظهري ـ وسببت لي ما يشبه الفضيحة، وذلك عندما كنت عازما على الغداء مع بعض المعارف، وفوجئت بأن أحد المدعوين عندما انتهى من غسل يديه وأخذ ينشفهما قال لي بصوت جهوري: إذا بليتم يا مشعل فاستتروا، والواقع انه اسقط في يدي، حيث أن الأهل هداهم الله وضعوا على المشجب المنشفة (الفندقية) وعليها علامة (S) التابعة لفندق الشيراتون.. ومن يومها لم أعد أسطو حتى على ورقة أو مرسمة.

وأذكر أنني كنت في أحد الفنادق ـ هذا بعد أن تبت ـ وكانت معي كاميرا تصوير، وعندما أخرج من الغرفة، ولا أكون في حاجة إليها كنت أخفيها في مكان خفي، حرصا مني على ألا يسرقها الخادم الذي ينظف الغرفة، وكان هذا هو شأني دائما، وفي أحد الأيام نسيت الكاميرا على السرير، وعندما عدت وجدتها قد اختفت، وانزعجت كثيرا وفكرت أن اتصل بالإدارة وأصعّد الأمور وأشكو الخادم، غير أنني أثناء هذه المرحلة المتخبطة، مددت يدي لا شعوريا إلى ذلك المكان الذي كنت اعتقد انه (خفي) وإذا بالكاميرا «مدحوشة» فيه، حيث أن الخادم الذكي هو الذي أعادها لمكانها الذي كنت اعتقد انه لا يعلمه.

ولا شك أنني كنت محظوظا مع ذلك الخادم الأمين الذي اتهمته زورا وبهتانا بعدم الأمانة.. غير أن حظي لم يكن في مستوى حظ أحد الأشخاص عندما كان يحضر سباقا للخيل في مدينة (باوى)، وسرقت محفظة نقوده وكان بها 195 دولارا. وتقول الرواية انه بعد أسبوعين عادت إليه المحفظة بالبريد وبها كل أوراقه، أما المبلغ فقد زاد إلى 2500 دولار.

ووجد مع المحفظة رسالة شكر من الشخص الذي وجدها لأنه كسب 30 ألف دولار في الرهان على سباق الخيل بالمبلغ الذي وجده في المحفظة، ولذا أعاد له المبلغ مع نصيبه من الأرباح.

ويا ليتني كنت أنا المسروق ولا أقول السارق.

وبما أننا في صدد الأمانة من عدمها، فهل صحيح أن الأمانة الحكومية ما هي إلاّ وسيلة لاستعادة نقودك، مع كلام منمق يجعلك تعتقد أنها هدية؟!.. بالنسبة لي فإنني لا أدري، لأنني لم أجربها.