لبنان.. الاستقواء بالخارج

TT

سياسة الاستقواء بالخارج ضد خصوم الداخل هي سياسة مدمرة لأي بلد، فالذي فعلته بعض الأطراف اللبنانية حين استقوت بسوريا ضد خصومها، وفرضت الرئاسة اللبنانية بضغط من دمشق، تدفع اليوم ثمن عقلية الاستقواء. فالمعارضة اليوم وجدت نفسها تستقوي بأطراف دولية أخرى، والرئيس شيراك يأتي للتعزية ولا يسأل عن رئيس الجمهورية اللبنانية ولا رئيس الوزراء، بل يذهب مباشرة لعزاء أسرة الشهيد الحريري، ويلتقي بخصوم الحكومة. والرئيس الأميركي ومعه وزيرة خارجيته يقفان ضد الحكومة اللبنانية والسورية، ويدعمان المعارضة في مشهد هو أقرب إلى سيناريو أوكرانيا منه إلى أي سيناريو آخر.

في المسيرة الحسينية الكبيرة التي نظمها حزب الله، كان اللافت ذلك الهتاف لآية الله خامنئي، المرشد العام للثورة الإيرانية، وكل ما نتمناه أن تكون تلك هتافات دينية وعقائدية، وليست هتافات سياسية، لأن هذا يعني كارثة أخرى، ربما تضاف إلى سياسة الاستقواء اللبنانية، التي قد تدمر هذا البلد الصغير المتعدد المذاهب والأديان.

اللبنانيون بحاجة إلى معجزة تجمع الأطراف المختلفة وتمنع انفلات الأمور، ربما يكون أسهلها هو أن تقدم الحكومة الحالية استقالتها، فتوفر على لبنان كثيرا من المشكلات، وأن يتم تشكيل حكومة مؤقتة حتى مرحلة الانتخابات. وهذا السيناريو ما زال بعيد المنال في ظل العقلية العربية التي لا تعترف بالتضحية السياسية لصالح المجتمع، وفي ظل استمرار عقلية انقسام المجتمع إلى مهزوم ومنتصر. وقد تحتاج المسألة إلى تضحية سورية بالإعلان عن انسحاب مشرف من لبنان بدون شروط، وترك اللبنانيين يقررون مصيرهم بأنفسهم، وإلغاء كل الوجود العسكري والمخابراتي من لبنان، وهي تضحية أخرى ستكون محل تقدير لو حدثت ولكن كيف؟

اللغة اللبنانية اليوم هي لغة تخوين، لأن طرفاً من اللبنانيين راح يسير في طريق الاستقواء بالخارج، معتقدا أن هذا الطريق يمكن أن يخرج البلد من مأزقه، وهو ما دفع بالأطراف الأخرى للاستقواء، عندما وصلت الأمور إلى التفخيخ والتفجير والقتل. ولبنان اليوم بحاجة إلى معجزة، وهو أمر ممكن لأن لبنان الطائفي والمناطقي قد توحد في لحظة نادرة وراء جنازة الشهيد الحريري، ولديه فرصة كبيرة للخروج من حالة التمزق والتشتت.

هل علينا أن نذكر بمأساة استقواء بعض اللبنانيين بإسرائيل عام 1982، وإلى أين أوصلوا البلد؟ وهل علينا أن ننبه بأن فرصة التوحد المذهبي والمناطقي في لبنان في هذه اللحظة، هي فرصة للبنانيين وربما للسوريين للخروج من المأزق؟ لا ندري..!