منظمة المؤتمر الإسلامي.. هذا أو الطوفان..!

TT

الأمة الاسلامية ليست بلدا واحدا بعينه، يمكن حصر مشاكله، وتحديد طبيعة هذه المشاكل، ليتم البحث بالتالي عن الحلول المناسبة لها. منظمة مؤتمر العالم الاسلامي سبعة وخمسون بلدا اسلاميا ينتمي اليها ما يزيد على الف مليون مسلم. واذا كان ما يجمع بين الشعوب الاسلامية من وحدة العقيدة، وتماثل نسبي في المصالح، والتقاء حول الهموم والتطلعات، ورؤية الغرب لها، أمرا لا يجادل فيه، فإن الانفراد بوضع وطني خاص لكل دولة اسلامية هو ايضا حقيقة لا يمكن الالتفاف عليها.

ولعل هذه الحقيقة هي التي أفضت للحال الذي آلت اليه المنظمة من اداء قاصر عن تطلعات شعوبها خلال ثلاثين عاما من وجودها.

ان ما صدر عن المنظمة، منذ قيامها، من قرارات قد استهدف خير الامة الاسلامية. على ان القرار وحده لا يكفي، مهما علت مضامينه واكتسب حماس المؤتمرين في اصداره اذا لم يقترن بالعزم على تنفيذه ليعزز من خلاله العمل الاسلامي، المبرر لقيام المنظمة، والداعي لاستمرار وجودها. فالصدق في مساندة القرارات عند اقتراحها، والعزم على التنفيذ بعد اصدارها، هو الضامن لنجاح اي عمل جماعي، ايا كان حجمه وطبيعة المهام الموكلة اليه.

ان قصور منظمة مؤتمر العالم الاسلامي عن الاستجابة لما هو اساسي في حياة الامة الاسلامية رغم اجتماعاتها المتكررة وما يحيط بتلك الاجتماعات من تغطية اعلامية كبيرة، يفقدها، في نظر شعوبها، مصداقية العمل الجاد ويلاحقها بمشاعر المرارة والاستياء، الامر الذي قد يدفع بالمتطرفين لأن يجعلوا من هذا الأمر ذريعة في لجوئهم للسلوكيات المنحرفة رافعين حجة الاثارة والغوغائية العمياء، بأن منظمة مؤتمر العالم الاسلامي الراعية لشؤون المسلمين، المدافعة عن مصالحهم، قد اخفقت في المهمة الكبيرة الموكولة اليها.

كما ان تقاعس الدول الاعضاء عن الالتزام بقراراتها يفقد المنظمة ايضا، في مواجهة العالم الغربي، مصداقية العمل الجاد ويفرغ تلك القرارات من قوة التأثير والمنظمة تسعى لإقامة علاقات متكافئة مع الاطراف الدولية المؤثرة الاخرى.

ان الشواهد على هذه الحال متعددة ومثيرة للقلق في آن واحد، ولعل ابلغ دليل على ما نحن عليه من حال قرار مؤتمر القمة الاسلامي الخامس الصادر في الكويت عام 1407هـ بإنشاء محكمة عدل اسلامية دولية. فعلى الرغم من مضي ثمانية عشر عاما على ذلك القرار لم يصادق على قيام المحكمة إلا عشر دول من 57 دولة.

ان من مقومات النجاحات في اي تكتل دولي، اقليمي او عالمي، الصراحة في تداول الامور والنأي بها عن صمت المجاملة او صمت اللامبالاة. ومن الخير لمنظمة مؤتمر العالم الاسلامي ألا يصدر عنها من القرارات إلا القليل القابل للتنفيذ بدلا عن قرارات عديدة متوالية تصبح عبئا على مصداقيتها وعبئا على تاريخها ايضا. وآمل ألا يحملنا التساؤل عن هذه الحال الى القول بأن القناعة ليست على نحو ما يجب ان تكون بأهمية هذه المنظمة ورسالتها وجدواها. وإلا كيف نفسر موافقة الاعضاء على القرارات عند التصويت عليها والنية معقودة على السكوت عليها وعدم الوفاء بمقتضاها.

معذرة ان كنت قد أطلت بتناولي لهذا الموضوع. غير اني ارى فيه امرا لن تستقيم مسيرة المنظمة معه من دون الأخذ به واعتباره واحدا من ضمانات أدائها على النحو المطلوب.

وحول ما يتعلق بمهمة اللجنة من «وضع استراتيجية ووضع خطة عمل بتمكين الأمة الاسلامية من مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين»، لعلكم تشاركونني الرأي بأن هذه الاستراتيجية تقتضي وجود عالم اسلامي من دول اسلامية متعافية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. ان تحديات القرن الواحد والعشرين توجب علينا، ايضا، التعايش مع هذه التحديات بتطويعها وجعلها اكثر ملاءمة لمكونات حياتنا، وان لا نرى فيها سببا للاغتراب عن عالم نحن منه وفيه، ولا ينفع معه ما يردده البعض من قول مشهور «الشرق شرق والغرب غرب، وهيهات ان يلتقيا».

ونحن لا نستطيع ان نتحدث عن امة اسلامية لها وزنها المؤثر في الشؤون العالمية ان لم تأخذ دولها بأسباب الحياة المتجددة، من توسيع المشاركة السياسية في الحكم، والشفافية في ادارة شؤونها العامة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودفع اقتصاداتها في مسارات التحديث، والاستجابة لعوامل التغيير التي ما فتئت تواجه العالم بتحولات سريعة متلاحقة تزيل الحدود وتوسع من دائرة التواصل الانساني حتى لكأن العالم الاسلامي مقبل على نظام كوني واحد. فهذه هي خصائص العالم الغربي وما تمثله من تحديات يواجهها العالم الاسلامي في القرن الواحد والعشرين.

من القضايا الموجعة لمشاعر الانسان العربي المسلم، ما استقرت عليه صورته في الغرب من ازدراء له، ونفوز منه، وتحامل عليه. ولا يدرك هذه الحقيقة ويعيش مظاهرها المؤذية كمن اقام في اوروبا وعاش فيها، واختلط بأهلها وتابع اعلامها كأبناء الجاليات العربية هناك. واذا كانت هذه الظاهرة حصيلة عوامل تاريخية وعوامل سياسية واجتماعية معاصرة، فإن اعتداء 11 سبتمبر على الولايات المتحدة الاميركية قد أفرز موقفا غربيا شديد الخوف والكراهية لكل ما هو مسلم. وساعدت على ذلك ممارسات العنف الهمجية المشينة من احتجاز الرهائن وقطع الرؤوس والقتل الجماعي بالمتفجرات، حتى اصبح المسلم، عربيا كان ام غير عربي، وصفا مرادفا لكل من هو خطير ملاحق.. ومشبوه.

لذا فإن منظمة المؤتمر الاسلامي مدعوة لأن تتعامل مع هذه المشكلة السيئة الاثر من دون ابطاء وتجعل منها واحدة من اولوياتها في التخطيط لعلاقة مستنيرة متوازنة بين الشعوب الاسلامية والعالم الغربي.

ان في البلاد الاسلامية كفاءات قادرة على خدمة اهداف المنظمة اذا انعقد لها العزم وصحت بها الارادة وهيئت الوسائل وقبلت التضحيات، وليست هذه الرؤية وقفا على منظمة مؤتمر العالم الاسلامي، بل ان في ما انجزه الاتحاد الاوروبي من مكاسب لشعوبه خير دليل على ما تفضي اليه الارادة الجادة الصادقة من نجاحات.

* ممثل المملكة العربية السعودية في لجنة «الشخصيات البارزة» التي شكلتها منظمة المؤتمر الاسلامي لتمكين الامة الاسلامية من مواجهة تحديات الالفية الجديدة، والمقال مأخوذ من مداخلته أمام اللجنة.