ماتت لأعيش أنا!

TT

كنت قد تحدثت عن الظلم الذي أصاب الملك فاروق من الصحافة المصرية، وكذلك الفنانة كاميليا. وقلت إن كاميليا كانت مصابة بمرض جعل من الصعب عليها أن تعايش رجلا . أما معلوماتي فنقلاً عن قريب لي طبيب أمراض نساء. وقيل إنها يهودية. والحقيقة أنها يهودية الاسم فقط.. أما هي فمسيحية كاثوليكية. وهي يهودية الاسم لأنها ولدت من عشيق لأمها أفلس فهرب. وأعطتها أمها اسم أحد النزلاء في البنسيون الذي تملكه. وهو ليفي كوهين ـ ولا يزال هذا الاسم منقوشاً على قبرها.

ثم احترقت في طائرة عند نهاية أغسطس سنة 1950 بفعل المخابرات الاسرائيلية، كما أن أسمهان اغتالتها المخابرات البريطانية ! وبالأمس صدر كتاب بعنوان (تاريخ أقل قبحاً) للأستاذ شريف سيد عفت. أما آخر فصول الكتاب فعنوانه (حكاية كاميليا وطغاة الصحافة) مؤكداً كل ما قلت.

أما وفاتها فعندي كلام، وأنا الوحيد الذي يستطيع ذلك. فيوم سفرها كنت أيضاً مسافراً. وكنت قد انتقلت حديثاً إلى جريدة «الأهرام» ـ بعد أن أغلقت الحكومة (الجريدة المسائية) التي كنا نعمل فيها وكان رئيس تحريرها كامل الشناوي. وقبل أن أسافر اتصلت بوالدتي هاتفياً أطمئن عليها. فلاحظت أن صوتها خافت، وأنها تحاول أن تغيره بما يعطي انطباعاً بأنها قوية (زي البمب). ولم تفلح.. ولما ذهبت اليها وجدتها مريضة. وعدلت عن السفر. وذهبت إلى شركة الطيران أعيد تذكرتي. وهناك وجدت الناقد الفني المعروف حسن امام عمر مع الفنانة كاميليا. وعرفت أنها تريد السفر لولا أنها لم تجد مكاناً فأعطيتها تذكرتي. وكان ما كان. وكانت ـ ولا تزال ـ حادثة كاميليا نموذجاً للأكاذيب الصحافية والشائعات التي تتحول بمرور الوقت إلى حقائق ظالمة!

ويقول الأستاذ شريف سيد عفت إنه يحتفظ بالبطاقة التي كتبها صحافي كبير لكاميليا بعنوان «شقة الملذات». ولم تذهب. فكانت هذه الحملة الاجرامية على فتاة مسكينة ويؤسفني ألا أذكر الصحافي.

أما حادث نجاتي من الموت فقد تكرر. والسبب مرض أمي.. فعندما كنت طالباً بالجامعة كنت أسكن في حي الزمالك. وكان بين الزمالك والجامعة ترام. وفي يوم ذهبت أبحث لأمي عن دواء، ولم أجد الصيدلي، قررت أن أعود إليه بعد الدراسة. وركبت الترام وبسبب الزحام وقفت على السلم. ونظرت فوجدت الطبيب في داخل الترام فسارعت إليه أخبره بحاجتي. في هذه اللحظة جاءت سيارة عسكرية وأطاحت بالواقفين على السلم. فماتوا.

وعندما عملت في «أخبار اليوم» افتتحت احدى شركات الطيران العالمية خطاً جديداً. قيل لي: تسافر؟ قلت : فوراً!. وقبل أن أسافر كان لا بد أن أطمئن على أمي.. وكلمتها. وجدت صوتها هزيلاً. وسألت أمي فتظاهرت بالصحة والعافية. فعدلت عن السفر. وفي اليوم التالي احترقت الطائرة عند نهاية الخط الجديد!

وقبل وفاتها، يرحمها الله، طلب مني الأطباء دواء من أميركا. وقفت أمام الأسانسير استدعيه. لم يأت. هبطت الدرج الطويل مسرعاً لكي أدرك أحد أصدقائي الطيارين.. ولم أكد أصل إلى الباب الخارجي للعمارة حتى سمعت انفجاراً مدوياً. لقد سقط الأسانسير بكل من فيه. وماتوا!

والأعمار بيد الله. ومثل هذه الحوادث وغيرها تؤكد أن الحياة اليوم تحت أقدام الأمهات. والجنة غداً. اللهم أمين.