جهنم ما أروعها!

TT

كان بركان هاواي الذي انفجر أخيرا نائما! صحيح لم يكن نومه عميقا. وانما كان قلقاً في نومه يتقلب يمينا وشمالا ويهم بأن يقف ثم لا يقف. فقد كانت الأرض ترتجف حول البركان. ومن حين لآخر يظهر دخان أبيض يعلو أمتارا ثم يسكت ليخرج مرة أخرى. والناس يعرفون أن البركان يتثاءب وان في نيته ان يصحو وينهض ويتعملق ويصب النار في كل اتجاه شررا إلى أعلى وسيولا دموية ذهبية الى المحيط الهادي الذي استطاع في كل مرة أن يخمد النار ولكن لا يستطيع أن يمحو هذه اللوحة الجهنمية.. الأسود والأحمر القاتم والأحمر القاني والأحمر الذهبي والرعب من كل درجة.

وقد أسعدني الحظ سنة 1959 ان أرى هذا البركان فور نهضته أو قومته من سبات عميق. صحونا نحن سكان مدينة هونولولو على كلام وهمسات وصرخات. ولكن لأن البركان كان بعيدا فقد جلسنا على رمال شاطئ وكيكي نتناول إفطارنا الذي كان شهيا جدا في ذلك اليوم.. فإننا نحرص على الحياة في مواجهة الموت. هل كان الطعام لذيذا، أو أنه صار لذيذا؟ الشاي واللبن والفطائر الساخنة والأناناس والباباز وبنات الهولا. وكلها معا ووراءها المحيط الهادي جداً. وأمامنا البركان أسود رمادي وقطع من النار وكتل من جهنم. والطائرات تدور حول البركان وعلى ارتفاعات شاهقة. وقد غيرت الطائرات مسارها لترى وتتفرج. ولم أكن قد رأيت شيئاً من هذا في أي مكان في العالم.

وكنت في طريقي إلى أميركا. وقررت أن أرى لأكتب. واستأجرت طائرة صغيرة ومعي مصور. واقتربنا من البركان. ودارت الطائرة حوله. ونحن مبهورون مأخوذون من أنفسنا. ولما شعرنا بحرارة البركان خلعنا ملابسنا. وفوجئت والطائرة تدور أننا ثلاثة ولسنا اثنين. لقد ترك الطيار عجلة القيادة ووقف معنا يتفرج. وصرخت: يا نهار اسود. إيه ده؟ إنه شاب مثلنا يريد أن يرى. ولا أعرف أين ذهبت روحي. هل أعجبها منظر جهنم فقررت اختصار الحياة ودخولها الآن. لا أعرف كيف انتهت هذه الدورات أو (الدوخات) حول البركان. فلما نزلت طائرتنا التي هي عصفور صغير في المطار، وجدنا الحمم البركانية قد نفدت في جناحي الطائرة بالقرب من خزانات الوقود على مسافة مليمترات من الموت فوق جهنم ثم السقوط فيها. هنا شعرت بالفزع وبالحماقة التي ارتكبتها. ولكن كانت الصور التي التقطناها وأرسلناها الى صحف (أخبار اليوم) مثار فخر وكبرياء وأحسسنا بالعظمة عندما طلبت منا مجلة (لايف) الأميركية عظيمة الاحترام أن نعيرها بعضها. فقد سبقناها. وليس بعد ذلك مجد لصحفي!

ولو قلت لي: تسافر الآن الى هاواي. لقلت: نعم..

ـ وتركب طائرة وتتفرج..

ـ بالطبع لا.. فقد مضى على ذلك أكثر من أربعين عاما!