ماذا ينوون فعله ببلداننا.. وماذا فعلنا لها؟

TT

أعلنت الولايات المتحدة لأسباب عديدة، أن الشرق الأوسط أصبح محط اهتمامها الرئيسي، ولكن ما يجري حالياً في الشرق الأوسط وحول الشرق الأوسط أمر مثير للإرباك والتساؤل والترقب. ولكن ولكي نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح لا بدّ أن نفصل بين أمرين اثنين: ما يريده الآخرون لبلداننا وما نريده نحن شعب هذه المنطقة لهذه البلدان، ونقارن أولاً بين ما فعلوا هم لبلدانهم وما فعلناه نحن ببلداننا ومن يتحمل حقيقة وفعلياً في نهاية الأمر مسؤولية ما يجري: هل هم الشعب أم من ائتمنهم من المسؤولين على الأوطان والمستقبل والتاريخ؟! لقد أصبح من نافلة القول الحديث عن مخطط لإعادة هيكلة الشرق الأوسط، إذ يبدو اليوم هذا المخطط واضح المعالم إلى حدّ كبير. فها هي أخبار العراق وفلسطين والسعودية وليبيا واليمن والكويت والسودان تعطي الأولوية حالياً لأخبار لبنان وسورية، البلدين اللذين يمثلان المرحلة القادمة من مشروع إعادة الهيكلية وها هي العلاقة الأمريكية ـ الأوربية تركز في معظمها على استكمال أبعاد هذا المخطط وخلق المسوّغات المختلفة وتسويقها إعلامياً وسياسياً من أجل تنفيذ هذا المخطط. والغرب في هذا له خطته وأهدافه ومصالحه من أطماع في النفط والأرض والمياه والبشر إلى استخدام كلّ هذا من أجل تقدّم صناعته ورفاهية شعبه وامتصاص خيرات مناطق أخرى لما فيه خدمة منطقته وتقدّمها معتبراً إسرائيل جزءاً من الغرب طبعاً ولا أحد يستطيع أن يوقف مثل هذه المخططات بالتمني والجمود على المواقف والأساليب المعالجات والخطابات القديمة.

بالمقابل ماذا تفعل الحكومات العربية في هذه أو تلك من الدول المستهدفة والتي تقع في هذه المرحلة أو تلك في دائرة الهدف في مخطط التغيير هذا. من الواضح أنه ليس هناك وضوح في الرؤيا، لدى المثقفين والمفكرين والساسة على حد سواء، حول أهداف هذا المخطط بل معظمهم منشغلون إما بتسيير الأمور وفق النمط المعتاد للسياسات العربية وكأن شيئاً لم يتغير حولهم أو بإقامة علاقات عامة يتوهمون أنها تمثل جوهر مشروع «الحرية» و«الديمقراطية» في الوقت الذي تمثل فيه هذه العلاقات انزلاقاً حقيقياً عن الحقوق والثوابت التي أقرتها الشرعية الدولية واعترفت بها كلّ الضمائر الحرة في العالم. وفي قلب هذه البلدان المستهدفة تنطلق مجموعات تكبر ككرة الثلج لتصوّر التنازل إنجازاً والتقارب مع الطامعين بالأرض والمياه انتصاراً والتدخل بهوية المواد الدرسية والتاريخ واللغة انصياعاًَ لتقدّم حضاري لا مفرّ منه. ويوازي هؤلاء آخرون كان من المفترض أن يكشفوا الخطط قبل أن تولد و يُعدّوا العدّة لمواجهتها بسياسات ناجعة و بديل يشكل مرجعية لحقوقهم دون تشنج أو عزلة أو صمت أو مواربة بل تقديم هذا المرجع والمنطق بلغة العصر المفهومة وبما يستحقه من شرح تسويقي إلى كلّ بقاع الأرض وإلى كلّ بلدان العالم كي لا يسمع العالم صوتاً واحداً قادماً ممّن لديهم الخطط ضدّ أوطاننا ويقابله من هذه الأوطان إما صمت مطبق في دائرة الجمود والانغلاق والعزلة وإما نكوص في دائرة من يريد أن ينسى العالم موضوع الأرض والمياه والشهداء والمعتقلين وكلّ التضحيات التي قدمها الأهل في فلسطين والجولان ولبنان كي لا يظنن أحد أن هذه الأمة فقدت من يدافع عنها وعن قيمها ومستقبلها.

وعلى هذه المستوى نلاحظ بأن الانتقائية السياسية والإعلامية تركز دائماً على ما يريدون أن يفعلوا بأوطاننا مع تضخيم مخاوفهم على أمنهم وحياتهم وعدم ذكر عذابات شعبنا أو حقوقه أو حصيلة ما يجري وأثره على مستقبل أبنائه، بل يتم التهليل لفتوحات في علاقات تعني التخليّ عن دعم الأشقاء في معركة الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتناسي أساسيات هذا الصراع التي ما يزال يُعمل بها في بلدان العالم الأخرى. ويتساءل الغربيون ذوو الضمائر الحرة لماذا لا تُسمِعونَ أصواتكم لشعوبنا ولماذا لا تقفون كتلة واحدة في وجه الظلم والمخطط الذي يستهدف هويتكم ووجودكم؟ ففي الوقت الذي يتحدثون فيه عن «الحرية» و«الديمقراطية» في لبنان وسورية لفتح الأبواب للتدخل الأجنبي تتخذ إجراءات لبناء ستة آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية وعزل القدس الشرقية عن محيطها في الضفة وطرد سكانها العرب مسيحيين ومسلمين، بينما تنهال الدعوات من قبل عرب آخرين على من يخطط وينفذ هذه السياسة الخطيرة على الحق العربي بما يعتبر مكافأة على ارتكابه جرائم الاستيطان والمجازر والإرهاب.

إنّ ما يروجه الإعلام اليوم عن لبنان وسورية يشكّل استكمالاً لمخطط رهيب لا يستهدف الهوية السياسية فقط وإنما الفكرية واللغوية والدينية والحضارية، وتبدو الشعوب العربية اليوم كما بدا الشعب الفلسطيني للأعوام السابقة تعاني من خلل هائل في التوازن وتتخبط في فضاء يملؤه الآخرون بأفكارهم ومخططاتهم، بحيث لا تظهر أحياناً حتى ردود الأفعال على هذه المخططات. إذا كان من اللازم أن نتعلم من غيرنا، فلننظر ماذا فعلت الولايات المتحدة وأوربا لإبعاد الخلافات عن طريق تعاونهما وذلك باللقاء المباشر لتقريب وجهات النظر من أجل الاتفاق على المشترك ووضع المختلف عليه من الأمور وراءهم قبل أن يبدأوا أي عمل يريدون القيام به حيال الآخرين. والسؤال هو ماذا فعل القادة العرب من أجل تقريب وجهات نظرهم المختلفة حول العديد من المواقف المتعلقة بالمتغيرات التي تعصف بهم جميعاً ولا تستثني أحداً؟ والسؤال الذي علينا أن نكرره اليوم ماذا فعل القادة الغربيون لبلدانهم وماذا ينوون فعله ببلداننا؟ ولكن قبل هذا وذاك علينا أن نسأل أنفسنا نحن اليوم ماذا فعل الحكام العرب لبلدانهم وشعوبهم؟ هذا السؤال يفتح أبواباً مشرعة من تراكم الفردية المفرطة وهدر الموارد والاستبداد المقنن والإهمال واللامبالاة التي لا بدّ أن يُسلّط الضوء عليها قبل أن نتمكن من الإمساك بزمام المبادرة وإيصال صوتنا للعالم برمته كي تكون رياح «الحرية» و «الديمقراطية» نسائم خير بدلاً من أن تكون عصفاً مدمراً لحقوق العرب وأداة للسيطرة على الموارد من نفط ومياه وتحويل العرب إلى عمّال بأجور زهيدة في معامل من يعملون لفرض سيادتهم على هذه الأرض ولا بأس أن تكون البداية من بعض التفاصيل الصغيرة والمهمة التي توصلنا في النهاية إلى رسم الصورة كاملة كما ترتئيها وتطمح لها شعوبنا لا كما تريدها قلّة منتفعة غير جديرة بالتجديف في هذا البحر الهائج.