ثلاث نقاط تغيير مهمة

TT

قبل ايام وفي برنامج «نايتلاين» الذي تبثه شبكة «ايه بي سي»، طرح مقدم البرنامج، تيد كوبل، سؤالا صعبا على مالكوم غلادويل، عالم الشؤون الاجتماعية ومؤلف الكتاب الشهير «نقطة التغير»، حول كيفية وصول السلوك او الإدراك الى نقطة معينة، ثم يؤدي الى خلق واقع جديد تماما. سأل كوبل: هل يمكنك معرفة وجودك وسط نقطة تغيير، أم هو شيء تستوعبه في ما بعد؟

أجاب غلادويل: «أهم الاشياء في محاولة تحليل ما اذا كان امر ما على شفا التحول، هو ما اذا كان ـ حدث ما ـ يدفع الناس الى إعادة تأطير الموضوع. المثال البسيط على ذلك هو حمية اتكينز (لانقاص الوزن)، فهو أعاد تأطير الحمية من التفكير فيها بمنطلق تجنب السعرات الحرارية والدهون الى التفكير فيها من منطلق تجنب الكربوهايدرات، وهو الأمر الذي غير الطريقة التي ينظر فيها الناس الى الحمية».

طرح كوبل هذا السؤال لأنه أراد ان يستكشف ما اذا كانت الانتخابات العراقية تعتبر نقطة تغيير في التاريخ. وكنت اشارك في البرنامج. بعد تفكير عميق في هذا السؤال اعتقد ان الأمر المهم بخصوص منطقة الشرق الاوسط اليوم هو اننا نشاهد ثلاث نقاط تغيير في الوقت ذاته.

شكرا لثمانية ملايين عراقي تحدوا تهديدات الارهابيين «إذا اقترعت تموت»، فقد أعيد تأطير الوضع في العراق من «المتمردين العراقيين» الذين يحاولون تحرير بلادهم من المحتلين الاميركيين الى اغلبية عراقية تحاول بناء الديمقراطية، بمساعدة الولايات المتحدة، ضد رغبات الفاشيين البعثيين العراقيين والجهاديين.

وفي لبنان، اعاد قتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الذي يشتبه في ان سوريا ضالعة فيه، تأطير الدراما. فقبل شهر كان لبنان عبارة عن قصة أقلية مسيحية تحاول مقاومة الاحتلال السوري، الذي يحظى بالتأييد الضمني للحكومة اللبنانية الموالية لسوريا ومجموعة من السياسيين اللبنانيين الذين باعوا انفسهم لدمشق. بعد مقتل الحريري انفجر لبنان، وتحول الى اغلبية عريضة من المسيحيين اللبنانيين والمسلمين والدروز، الذين لم يعودوا يطيقون البقاء صامتين. ولكن بدلا من القول للسوريين، وللرئيس اللبناني الذي يدعمونه: «ارجعوا»، تحول لبنان من بلد قلة تجرؤ فيه على الهمس: «متى سيغادر السوريون؟» الى بلد يصيح كل شخص فيه تقريبا بذلك، وكان على سوريا الرد.

الدراما الفلسطينية ـ الاسرائيلية تطورت من كيفية استخدام شارون أي وسيلة ممكنة لاستمرار قبضة اسرائيل على غزة، وهو ما قال شارون في وقت سابق انه أمر لا غنى عنه لأمن الدولة اليهودية، الى كيفية استخدام شارون أي وسيلة ممكنة لإخلاء قطاع غزة ، الذي يقول شارون الآن انه أمر ضروري لإنقاذ اسرائيل كدولة يهودية. هذا الأمر بالنسبة للفلسطينيين لم يعد يتعلق بكيفية مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في غزة ، وإنما بما إذا كان من الممكن بناء دويلة مقبولة هناك، دبي شرق اوسطية. لأنهم اذا فعلوا، فإن ذلك سيحدث تغييرا جذريا في إعادة صياغة الجدل الاسرائيلي حول إمكانية تسليم الفلسطينيين غالبية أراضي الضفة الغربية.

وفيما تشكل هذه الاوضاع الثلاثة نقاط تغيير، طبقا لتعريف غلادويلز، سأشعر بارتياح اكبر إزائها اذا توصلت الى اعتقاد بتعذر إلغائها، او انها لا رجعة عنها ولا يمكن ان ترتد على نحو خاطئ.

لكي يسير العراق في الاتجاه الصحيح، كان لا بد من إجراء الانتخابات، إلا ان ذلك ليس كافيا. الكافي هو ظهور حكومة عراقية مستقرة ونزيهة تستطيع إخضاع التمرد السني.

وهذا يعتمد على استعداد الولايات المتحدة للبقاء في العراق الى حين استكمال مهمتها، كما يعتمد من ناحية ثانية على مدى استعداد ونيّة الغالبية الشيعية اقتسام السلطة مع السنة ـ خصوصا الحقائب الوزارية المهمة مثل الدفاع والاستخبارات والداخلية ـ وعدم الاستمرار في عمليات اجتثاث حزب البعث. كما يعتمد سير العراق في الوجهة الصحيحة على تأييد قادة المسلمين السنة للغالبية العراقية.

ولكي يحرر لبنان نفسه من سوريا، يجب على المجموعات اللبنانية التوصل الى سبيل لترجمة تطلعاتهم وطموحاتهم في التوصل الى اتفاق انسحاب مع دمشق. سوريا لن تُدفع دفعا للخروج من لبنان. ولكي يسير الاسرائيليون والفلسطينيون باتجاه السلام، ينبغي على المعتدلين في الجانبين مساعدة بعضهما في تحقيق النجاح المطلوب في هذا الجانب.

ليس ثمة شك في ان منطقة الشرق الأوسط ـ كما اتضح من هجوم الجمعة الانتحاري في تل أبيب ـ في حالة صعود وهبوط. ولكن رغم ذلك يمكن اعتبار ما حدث في الاسابيع الاربعة السابقة ليس فقط تطورات مهمة، بل تطورات جديرة بالملاحظة والاهتمام. واذا نجحنا في إعطاء دفعة لأوجه التغيير الثلاثة هذه، فاننا سنتوصل الى نتائج ايجابية في نهاية المطاف.

* خدمة «نيويورك تايمز»