تفكيك القضايا

TT

أقل ما يمكن ان يقال عن معاقبة سورية بحرمانها من المفاوضات الاساسية مع اسرائيل، هو انها سياسة غبية. وما تفجيرات تل ابيب الاخيرة الا دليل على ذلك، فالمعقول في منطقتنا هو تفكيك القضايا وحلها واحدة بعد الأخرى، لا جمعها في ملف واحد وعلى طاولة واحدة، فبعضها لا يعبر بالضرورة عن نفس المعقول السياسي. قضية النزاع مع اسرائيل لا يمكن جمعها مع اشكالات المنطقة المتعددة، مثل ارهاب القاعدة في العالم. ويمكن ان يقال الشيء نفسه عن الارهاب في العراق، الذي لا يمكن الربط بينه وبين النزاع العربي الاسرائيلي تاريخيا وميدانيا. لكن من المؤكد ان حل أي قضية من الثلاث سيسهم كثيرا في حل غيرها بتخفيف التوتر، وتركيز المصادر على القضايا اللاحقة.

ستبقى الخلافات السورية الاميركية متوترة في الشأن الأمني والعراقي، وربما تبلغ مرحلة اخطر من ذلك، خاصة مع تعاظم القناعة في واشنطن بان السوريين هم وراء العنف في العراق، وبالتالي لا بد من مواجهتهم عسكريا. ومهما كانت قناعة البيت الابيض بصحة هذا الطرح، رغم نفي دمشق المتكرر له، فإن من الخطأ إبعاد السوريين عن المفاوضات مع اسرائيل، لأن النزاع العربي مع تل ابيب وصل مرحلة يمكن ان تحقق حلا تاريخيا ونهائيا لكل الاطراف.

والحقيقة انه بدون اشراك السوريين سيصبح هذا المشروع المهم والحيوي للعالم لا للعرب وحدهم، كونه مصدرا مهما للنفخ في المشاكل في المنطقة، فاشلا في الوصول الى نقطة السلام المنشودة.

هناك ثلاث نتائج سلبية سيفرزها اقصاء سورية عن المفاوضات مع اسرائيل. الاولى، سيستمر العنف، سواء بعلم دمشق او بدونه، بما في ذلك داخل الاراضي الفلسطينية، نظرا لوجود فلسطينيين ملتزمين تنظيميا وعقائديا بالجبهة الثالثة على الارض السورية واللبنانية وفي الداخل. والثانية، سيتسبب بقاء الاحتلال الاسرائيلي لأرض عربية في ابعاد المنظومة العربية المتمثلة في الجامعة العربية، عن الانخراط في السلام. فالعرب مطالبون غدا كثمن للحل بالاعتراف باسرائيل واقامة علاقات جماعية معها، والتوقيع على اتفاقيات جماعية مرتبطة به، من نزع للتسلح وتطوير سوق مشتركة.

النتيجة الثالثة، ان جبهة الرفض العربية التي اعتادت على تخويف المؤسسات العربية السياسية والثقافية، ستجد في سورية ظهيرا وساحة مشروعة لرفض كل تطوير يمكن ان يحدث في المنطقة.

المنطق هنا هو انتهاز فرصة وجود فرصة حل للقضية الأم المعقدة، اي النزاع العربي الاسرائيلي بكامله، لا الفلسطيني وحده. ويمكن للأميركيين ان يعتبروا سورية شريكة في سلام على جبهة، وعدوة على جبهة أخرى، كالعراقية، وعدم الربط بين القضايا مهما بدت متلاصقة. بدون ذلك سيُؤسس محور عربي، ولو صغير، هدفه تخريب اي سلام ممكن. وستستمر النوافذ مفتوحة للتنظيمات الفلسطينية المعارضة.

[email protected]