رياح الديمقراطية

TT

هناك حالة جديدة في المزاج العام في اكثر من دولة عربية حاليا، تلعب فيها عوامل محلية واقليمية ودولية دورها، وتختلف الظروف والاوضاع من بلد الى آخر ولكن الصورة العامة تعطي انطباعا هنا وهناك بان هناك خطوات اتخذت او يجب ان تتخذ نحو الانفتاح السياسي، وفك حالة الجمود التي سادت لسنوات واوصلت المنطقة الى وضع كانت فيه أشبه برجل العالم المريض.

والمسلّم به أن الحكم الرشيد هو الذي يستجيب للمزاج العام لدى الرأي العام لديه ويحاول ان يسبقه بخطوة، بينما العكس صحيح، فالحكم الذي يصطدم بتطلعات شعبه ويحاول كبحها يأكل بيده جزءا من شرعيته، ويكون بذلك قد هز الاستقرار في مجتمعه، وفتح الباب امام صراعات تأخذ شكلا عنيفا مضرا.

من هنا فان الخطوة التي اعلنها الرئيس مبارك في مصر بطلبه تعديل الدستور من اجل الغاء نظام الاستفتاء والعمل بالانتخابات الرئاسية المفتوحة لاكثر من مرشح تكتسب اهمية ودلالة كبيرة، فهي من جهة تأتي استشعارا واستجابة لمزاج عام يتفاعل منذ فترة لدى الرأي العام بان المجتمع قد وصل الى درجة معينة يحتاج فيها الى تطوير سياسي، وتوسيع اطار الحريات وترسيخ الديمقراطية.

ومن جهة اخرى فانها ستحدث في المجتمع نقلة كبيرة في النظر الى دور الدولة، وهي في مصر اقدم دولة مركزية مستمرة في التاريخ، وكذلك نظرة الناس الى دورهم في العملية السياسية بما يؤدي الى المشاركة فيها بفاعلية أكبر عبر صناديق الاقتراع والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني. وهي خطوة اولى لكنها كبيرة لانها ترسي تقليد المنافسة على المنصب لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية.

ومن مصر الى لبنان نجد ان هناك مزاجا عاما جديدا يتفاعل لدى الرأي العام هناك اشعلته جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ويتمثل في الضغط الشعبي والمظاهرات اليومية التي تدعو الى كشف الحقيقة.

ولا بد ان يقارن البعض وهو يشاهد صور المتظاهرين في بيروت والأعلام التي يرفعونها بين ما يشاهدونه الان، وما شاهدوه على شاشات التلفزيون قبل فترة في اواكرانيا عقب النتيجة الاولى لانتخابات الرئاسة حيث اجبرت المعارضة في النهاية السلطات على اعادة الانتخابات لتفوز المعارضة.

ولا بد لأي متابع ان يلاحظ ان الحالة العامة في لبنان مختلفة عن السبعينات والثمانينات، فالمظاهرات سلمية، وهناك شعور قوي وسط الرأي العام بالعمل على عدم الوقوع مرة اخرى في فخ الطائفية، وقطع الطريق على من يحاول ان يدخلهم في هذا الطريق. وقد لا تكون نتيجة هذه الحالة فورية الآن، ولكنها ستظهر بالقطع في صناديق الاقتراع بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

ومن لبنان الى الخليج حيث قررت الحكومة الكويتية ان تسبق الرأي العام بخطوة وتحاول مرة اخرى تمرير قانون الحقوق السياسية للمرأة في البرلمان، ثم في السعودية حيث تستكمل تجربة الانتخابات البلدية، هناك حالة جديدة في المنطقة تؤشر لمرحلة ستكون حيوية في تطورها.