الحريري شهيدا: اغتيال الحكمة والاعتدال

TT

لم يكن أحد من اللبنانيين في أي الصفين السياسي أو الشعبي، يدرك أو يتوقع أن تصل حدود الاغتيالات المأجورة الى ما وصلت اليه، مع محاولة الاعتداء التي استهدفت حياة النائب اللبناني مروان حمادة قبل فترة وجيزة، ومع الاعتداء الآثم الذي ذهب ضحيته رئيس الوزراء اللبناني السابق الراحل رفيق الحريري قبل ظهر يوم الاثنين الماضي.

ومهما تباينت الاجتهادات وحتى الخلافات السياسية مع شخص الراحل رفيق الحريري، لم يكن أحد من السياسيين اللبنانيين يتوقع أن تصل حدود الاغتيالات المأجورة لحساب قوى خارجية الى المساس بقامة لبنانية رفيعة المستوى، تمتاز بالحكمة والمنطق والاعتدال، ولم تتلوث يداها بالحروب الداخلية العبثية التي ضربت لبنان منذ العام 1975، بل وساهمت بشكل جبار في عملية اعادة بناء ما هدمته معاول الصراع والحروب الداخلية، «سنوات عهديه برئاسة الوزارة وبعدهما»، حيث أغدق الراحل رفيق الحريري جزءاً كبيراً من المخزون الاقتصادي لمؤسساته لصالح تصحيح الخلل الكبير الذي ضرب البنى الاقتصادية اللبنانية، فضلاً عن دخوله ميدان العمل الخيري من أوسع أبوابه، خدمة لكل اللبنانيين من دون الالتفات الى سياسات الطوائف والملل والمذاهب.

ورب قائل يقول، ان العودة الى سياسة الاغتيالات وتفجير الوضع اللبناني الداخلي، قد يشير في جانب منه الى أن صعود رجالات ما بعد الحرب الأهلية الداخلية اللبنانية أمر غير مستساغ لدى القوى الخارجية التي تعبث وتلعب بنيران الفتن، حيث كان لبنان ساحة من ساحات التفجير في سياق الصراعات الاقليمية، وتحديداً في المسائل المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني، ومحاولة فك ارتباط لبنان بمحيطه العربي ودوره في اطار المجموعة العربية، وتماسك موقفه الرسمي ومواقف قطاعات واسعة منه مع الموقف السوري في تلازم مساري الحل التسووي المتوقف منذ أعوام فوق هضبة الجولان وعلى أبواب مزارع شبعا اللبنانية.

وعليه، فان وظيفة الرسالة الخارجية في اغتيال المرحوم رفيق الحريري، سارت على سكتين اثنتين:

اعادة خلط الأوراق الداخلية على المسرح السياسي اللبناني في ظل التجاذبات القائمة راهناً، ورفع منسوب «الخربطة الداخلية». فهي رسالة الى كل اللبنانيين من أجل ايقاظ ما تم وأده من الفتن الداخلية وتسعيرها، واظهار الدولة اللبنانية بمظهر «الدولة العاجزة» عن حماية أمنها الوطني، وأركان قادتها الممثلين لتيارات ومشارب الشعب اللبناني المختلفة من كافة الطوائف والانتماءات السياسية، خصوصاً قادة ما أصطلح على تسميتهم بـ«معارضة قرنة شهوان»، وهم قادة المعارضة الديمقراطية البعيدة عن منطق حسابات الماضي والحروب الأهلية.

وهي رسالة الى سوريا، في محاولة الاساءة لعلاقاتها الاقليمية العربية، في ظل الهجمة السياسية المسعورة التي تشن عليها انطلاقاً من حدودها الشرقية مع العراق، ومن حدودها الغربية في خاصرتها اللبنانية، وتحميلها مسؤولية «الفلتان الأمني»، تحت دعاوى عجزها بالرغم من وجود أكثر من عشرة آلاف عسكري سوري منتشرين فوق الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يعزز المسوغات التي ترفعها وتدفع نحوها واشنطن في الضغط على سوريا من أجل التنفيذ الفوري للقرار1559، من دون الالتفات للموقف الرسمي الحكومي اللبناني من القرار ذاته، وتقديرات الرئيس أميل لحود بشأن برمجة الانسحاب السوري وفقاً للمتطلبات الوطنية اللبنانية.

ويذكر رحيل رفيق الحريري بالرحيل المأساوي المفجع لرئيس الوزراء السابق رشيد كرامي عام 1987، فكلاهما «سلاميان» لم تتلوث أياديهما في حروب الاقتتال الداخلي، ولم يعملا على انشاء الميليشيات التي ارتبطت بغالبيتها مع قوى خارجية، ولم تكن تهمها مصلحة لبنان «الوطن والشعب»، بمقدار ما كانت تسير وراء اعتقاداتها القاصرة.

ان لبنان وأجهزته الأمنية وقضاءه، على المحك من أجل كشف الجهات التي ارتكبت جريمة اغتيال رفيق الحريري، وتقديم أصحابها وأدواتها من المنفذين الى القضاء اللبناني، لأن سياسة العجز عن كشف المجرمين وتنويم الملفات سيكون وبالاً على لبنان.

* كاتب فلسطيني