لماذا الإصرار على توريط "حزب الله"؟

TT

من البديهي أن منطلقات "حزب الله" تختلف عن منطلقات معظم الأحزاب والقوى اللبنانية. والثابت أن القاعدة الصلبة للحزب قاعدة إسلامية شيعية جهادية. ولكن عبر السنوات الماضية، سلماً وحرباً، حرصت قيادة الحزب بفطنة وحكمة على رفع الحزب وغاياته العليا فوق "بازار" السياسة اللبنانية، الملوّث بالطائفية، والمستقوي بديناميكيات التدخل الخارجي بشقيه "الأخوي" و"غير الأخوي".

كذلك أدركت قيادة "حزب الله"، أن قضية المقاومة لتحرير الأرض يجب أن تظل خارج المزايدة الحزبية والفئوية. وأن حماية الحزب والمقاومة يجب أن تكون "حماية سياسية" في المقام الأول. ولهذا السبب أحجم "حزب الله" بقدر المستطاع عن الدخول في متاهات التحالف الظرفي التكتيكي مع هذا الطرف أو ذاك، وعن السعي الى مناصب وزارية في حكومات قد لا تحظى بالضرورة بإجماع وطني حولها.

وحتى عندما كان يُطلب من الحزب الاصطفاف انتخابياً في لوائح تحالفية كان ثمة حرص عند القيادة على تحاشي استعداء أطراف لبنانية لها وزنها، مع أن هذا الحرص لم يمنع دائماً حدوث هذا الاصطفاف، وبخاصة عندما كان المبرّر الأساسي منع حدوث انشقاق داخل أكبر المعاقل الشيعية في الجنوب (محافظتا الجنوب والنبطية) والبقاع (شرق لبنان).

وفي المقابل كان هناك حرص مسؤول مقابل على تجنب معاداة الحزب، حتى عندما اضطر وفق اعتبارات معينة ـ وربما تحت ضغوط لها حساباتها الخاصة ـ لأن يخوض معارك انتخابية في مناطق مختلطة لا يشكل الشيعة أغلبية سكانها، كما حصل في بيروت مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وفي جبل لبنان مع الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط.

هذا الواقع يؤكد أمراً واحداً هو أن التعامل الوطني مع موضوع "حزب الله" يجب أن يسمو فوق السياسة الضيقة لأن الحزب أكبر من مجرد تنظيم. إنه حالة وطنية لا فئوية تسمو فوق الخلافات.

ولكن من المؤسف أن تغيراً في هذا الواقع جاء ضمن العد التنازلي للأزمة اللبنانية التي وصلت اليوم بالذات الى مفترق طرق خطير. وكان من أسوأ ما يمكن أن يحصل لـ"حزب الله" هو إخراجه من كونه "حالة" داخل الوضع اللبناني الى كرة تتقاذفها القرارات الدولية في ردهات الأمم المتحدة نتيجة القرار 1559. ومع أن البعض ما زال مصرا على القول ان إعداد القرار 1559 سابق لتمديد ولاية الرئيس اميل لحود الرئاسية فإن هؤلاء يتناسون ان التمديد حصل أمام خلفية خطيرة هي "قانون محاسبة سورية" الذي أقرّ في واشنطن بسعي و"طبخ" من اللوبي الليكودي. ولاحقاً استمرت القراءة الخاطئة بالرغم من المؤشرات الخطيرة للدفع عبر أوروبا، وكذلك في كندا واستراليا، باتجاه عزل "حزب الله" وإدراجه على قائمة الارهاب.

ان سوء قراءة المتغيرات ـ الذي نشهد تبعاته الكارثية الآن ـ يبدو غير كافٍ لبعض اللاعبين الأغبياء أو السيئي القصد. فها هم يعمدون الى الزّج بـ"حزب الله" في عملية فرز طائفي مكشوف وخطير يقوم على محاولة "تكتيل" القوى الشيعية، وسحب القوى السنيّة باتجاهها، وعزل الدروز والطوائف المسيحية لمجرد التأكيد على رسوخ الطائفية السياسية في البلد.

ان الطائفية السياسية في لبنان راسخة، وهذه حقيقة لا تحتاج الى برهان، مع مزيد الأسف. ولكن المشكلة القديمة ـ الجديدة أن ثمة جهات تغاضت، وما زالت تتغاضى، عن معالجتها بينما هي في الوقت نفسه مصرة على استغلالها لمصلحتها.

حرام ... وألف حرام ... توريط "حزب الله" في المستنقع الآسن. وصدق من قال "ربِّ احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم".