أبيت على نفسي مجالسة الإسرائيليين في حال استئناف المفاوضات فكلفت المر بهذه المهمة

TT

أكد رئيس الحكومة اللبنانية السابق الدكتور سليم الحص في توثيقه الجديد لآخر تجاربه في الحكم بين العامين 1998 و2000، والذي أصدره بعنوان «للحقيقة والتاريخ»، ان اعظم انجاز حققه لبنان في عهد حكومته هو تحرير الجنوب والبقاع الغربي.

كما تطرق الحص الى العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية، وقال «لو كان في لبنان رجل واحد لا طائفي فهو اميل لحود». وقال الحص عن العلاقة بينه وبين سورية: لقد شرحت للرئىس السوري الراحل حافظ الاسد اسباب عدم قبولي التحالف مع الحريري فلقيت منه تفهما وقبولا. وتحدث عن الاجواء السياسية التي صاحبت تكليفه من طرف الرئيس لحود بتشكيل الحكومة: الحريري نصح لحود بعدم تكليفي بذلك لانني حسب رأي الحريري «عنيد ورأسي يابس». واعترف بارتكابه خطأ عندما رحب بخطوة توقيف وزير النفط شاهي برصوميان. كما تحدث عن قصة سقوط الحصار الاسرائيلي لأرنون بعد تسعة ايام من فرضه.

كما روي قصة الغارات الاسرائيلية المدمرة والتي استهدفت البنى التحتية للبنان.وفي هذه الحلقة العاشرة يستعرض الحص بعض المحطات من مشواره السياسي ويقول ابيت على نفسي مجالسة الاسرائيليين في حال استئناف المفاوضات فكلفت المر بهذه المهمة. وفي ما يلي الحلقة العاشرة.

مسار التسوية مع إسرائيل:

درجنا على التمييز بين التسوية والسلام، وقلنا أنّ ما تمّ الاتفاق عليه مع إسرائيل على الجبهتين المصرية والأردنية، وما سيجري التفاوض عليه على الجبهتين اللبنانية والسورية يوماً من الأيام إنما هو من قبيل التسوية وليس السلام. فالتسوية هي إتفاق على وقف الحرب، أما السلام فيقترن بالاستقرار، ولن يكون استقرار في المنطقة، مهما تعدّدت اتفاقات التسـوية، ما لم تحلّ قضايا أساسية حلاً عادلاً، ومنها قضية القدس وقضية اللاجئين الفلسـطينيين انطلاقاً من حقّهم في العودة الى ديارهم والاقرار بحقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وقد جاء تجدّد الانتفاضة الفلسطينية في أواخر سبتمبر (ايلول) 2000 ليشـهد على أنّ لا استقرار في المنطقة من غير حلٍ عادل لقضية القدس وسائر القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وسـط تسارع الاتصالات الجارية على المستوى الدولي تمهيداً لاسـتئناف محادثات التسوية على المسارين اللبناني والسوري، وفي ضوء أخبار تُفيد أنّ وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية مادلين أولبرايت عازمة على القيام بجولة في الشرق الأوسط، اتصلت هاتفياً بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع في 19/7/1999 للوقوف على معلوماته حول آخر تطورات الموقف على هذا الصعيد. وفي اتصال لاحق مع الوزير الشرع اتفقت معه على ايفاد وفد دبلوماسي لبناني الى دمشق للتداول معه في هذا الشـأن. وقد أعلنت لدى خروجي من السـرايا الحكومية أنّ وفداً دبلوماسياً يضمّ الأمين العام لوزارة الخارجية اللبنانية ظافر الحسن والمستشار الدبلوماسي لرئاسة الوزراء يحيى المحمصاني سيزور دمشق في 2/8/1999 لمقابلة وزير الخارجية السوري في اطار التنسيق بين الدولتين الشقيقتين في شأن عملية التسوية. وقد عرض الموفدان اللبنانيان مع الوزير الشـرع ثوابت الموقف اللبناني من المفاوضات والتي تقوم على جملة مبادئ أهمها: الاصرار على تطبيق القرار 425 لتحـريـر الجنوب، ورفض مبدأ التفـاوض عـلى تطبيق القـرار الـذي ينـصّ على الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الأراضي اللبنانية من دون قيدٍ أو شرط. ولبنان بالتالي غير معني مباشـرةً بالقرارين 242 و 338 أو بمبدأ الأرض في مقابل السلام. مع ذلك فانّ لبنان على استعداد لاجراء محادثات مع اسـرائيل توصّلاً الى سلامٍ عادل ودائم أسوةً بسائر أشقائه العرب. وأكّد الوفد اللبناني أنّ لبنان، في حال اسـتئناف المحادثات مع اسرائيل، سيصرّ على أن يشمل جدول أعمال المفاوضات مسائل حفظ حقّ لبـنان في مياهه، وحقّه في التعويض عن الخسـائر والأضرار التي مُني بها من جرّاء العدوان الاسرائيلي المستمرّ على أرضه وشـعبه منذ عام 1978، وحقّ اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان في العودة الى ديارهم، والمطالبة بالافراج عن المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية. أعلن في واشنطن ودمشق وتل أبيب أنّ لقاءً سيتمّ بين وزير خارجية سورية فاروق الشرع ورئيس وزراء اسرائيل أيهود باراك برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون وحضـوره، وذلك في البيـت الأبـيض في 15/12/1999 لافـتتاح المحادثات، ثم ينتقل الشرع وباراك الى «بليرهاوس» قبالة البيت الأبيض ليُباشرا مفاوضاتٍ وجهاً لوجه بوجود وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت على مقرُبةٍ من مكان الاجتماع للتدخّل عند الاقتضاء. وأعلن الناطق باسـم البيت الأبيض جو لوكهارت قبل يومٍ من الاجتماع أنّه لن تكون هناك مصافحة بين الشرع وباراك أمام عدسات المصورين.

في 14/12/1999 التقيت نائب رئيس الوزراء ميشال المُرّ في زيارته الأسـبوعية لي في السرايا الحكومية. فقلت له: «اذا استؤنفت المحادثات على المسار اللبناني وجرى افتتاح احتفالي للمحادثات فأنا لا أسمح لنفسي بمصافحة مسؤول اسرائيلي أو مجالسته. في تلك الحال سـأطلب منك تمثيل لبنان في اللقاء». فرحّب بالفكرة، وأعلن عند خروجه من السرايا أنّه طُلب اليه فعلاً أن يكون رئيساً لوفد لبنان المفاوض، عازياً ذلك الى كونه وزيراً للخارجية بالوكالة في حال غيابي. وأوضح أنّه عند تحديد الموعد ستُعقد اجتماعات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في حضوره للتشـاور حول الملف الذي سيحمله الى المفاوضات. تعرّضت على الأثر لانتقادات من جانب المعارضة تقول انّني تخلّيت عن مسؤولياتي في وزارة الخارجية. في الواقع أنّني أبيت على نفسي مجالسة الاسرائيليين وأنا الذي أعتبر اسرائيل عدوّاً تاريخياً للعرب، فكلّفت ميشـال المُرّ بالقيام بهذه المهمّة وهو لـم يُمانِع في ذلك، ولكنني لـم أتـخـلّ عن ملفّ المـفاوضـات وكنت سـأحتفظ بحقّي في ادارتها من موقعي رئيسـاً للوزراء كما من موقعي وزيراً للخارجية.

أمام اللغط الذي أُثير حول هذه المسألة أبلغت مجلس الوزراء، الذي انعقد في اليوم التالي برئاستي، حقيقة الموقف، وهو أنّ المُرّ سيترأّس الوفد في حال كان التمثيل الاسرائيلي سـياسياً، أمّا تشكيل الوفد فسيرتبط بمستوى تمثيل الوفد الاسرائيلي. فاذا كان سياسياً يكون التمثيل اللبناني سياسياً، واذا كان دبلوماسياً أو أمنياً فسيكون التمثيل اللبناني على نفس المستوى. في كل الأحوال فسأبقى شخصياً مسؤولاً مُباشرةً عن ادارة المفاوضات. لم تنجحّ محادثات الشرع ـ باراك فلم تُستأنف المحادثات اللبنانية ـ الاسرائيلية ملاحقة بعض الإعلاميين في اطار التحقيق في ملف «تلفزيون لبنان» الذي تملكه الدولة ادعت النيابة العامة المالية على رئيس مجلس ادارة تلفزيون لبنان وأعضائه السابقين ومنهم الصحافيان المسجلان على الجدول النقابي للصحافة ابراهيم فهيم الخوري أمين الصندوق السابق لنقابة الصحافة، ووليد شقير العضو السابق في مجلس نقابة المحررين، فهبّت الصحافة دفاعاً عنهما.

في 28/7/1999 التقى نقيبا الصحافة والمحررين وتداولا الموقف الذي ينبغي اتخاذه في هذا الشأن. وصدر عنهما بيان استغربا فيه طريقة الادعاء على الصحافيين، اذ أن نبأ الملاحقة أُعلن قبل أن يتبلّغ الصحافيان الخوري وشقير مذكّرة قانونية من أي جهة رسمية تحدد سبب الادعاء وموضوعه، كما لم يسبق الادعاء أي مساءلة ادارية أو قضائية لهما ليتمكنا من تنوير التحقيق بما لديهما من معطيات، وقد أساءت طريقة الادعاء على هذا النحو الى سمعة رجلي الاعلام.

في 29/7/1999 ورد في صحيفـة «النهـار» خبـر مفـاده أن وزير الاعلام أنور الخليل طلب في كتاب وجهـه الى المـدعـي العام الاسـتئنافي عبد اللَّـه البيطـار، ملاحقة نقيب المحررين ملحم كرم بصفتـه رئيس تحـرير جريدة «البيرق» ومديرها المسؤول سعيد ناصر الدين، كذلك ملاحقة الدكتور بول سـالم صاحب مطبوعة «ذي لبنون ريبورت» التـي تصدر في بيـروت ومديـرها المسؤول جميل مروة، بجرم نشـر معلومات تتعلّق بكتاب «من اسـرائيل الى دمشـق» لمؤلفه روبير حاتم المعروف بـ«كوبرا». وكانت «البيرق» قد أجرت مقابلة مع مؤلّف هذا الكتاب الذي منع ادخاله الى بيروت، فيما نشرت المطبوعة الأخرى مقتطفات منه. وموضـوع الكتاب الأدوار التي قام بها الوزير السابق ايلي حبيقة في الحرب اللبنانية.

وفي اليوم التالـي نفـى الوزيـر أنـور الخليـل أن الملاحقة جاءت بناء على طلبه. وأقام ايلي حبيقة دعوى على مجلتي «الحوادث» و«الريفو دي ليبان» بشخص رئيس تحرير المجلتين النقيب ملحم كرم.

وفي 7/7/1999 استقبلت وزير العدل جوزف شاوول وعرضت معه موضوع احالة عدد من الاعلاميين والمطبوعـات على التحقيق. وقد صرّحت بعد اللقاء مسـتغرباً «المحاولات التي يبذلها بعضهم لتشويه صورة الحكومة وتقديمها الى الرأي العام كأنها معادية للحريات العامة وخصوصاً الحريـة الاعلاميـة مسـتغلين في ذلك قضية اعلامية يتعاطاها القضاء وليس للحكومـة علاقة بهـا». وقلت: «لسنا في حاجة الى أن نكرر حرصنا على الحريات ورفضنا المساس بها، وقد أثبتنا ذلك فعلاً عندما ألغينا قرار حظر التظاهر وسمحنا بقيام تظاهرات كان بعضها ضد الحكومة، وامتنعنا عن الادعاء على مطبوعات معينة تجاوزت حدود الحرية المسؤولة في التجني علينا والتهجّم على الحكومة».

واتصلت بالنائب العام التمييزي أيضاً في هذا الشأن، مشدداً على ضرورة قيام القضاء بحماية الحريات العامة التي يكفلها الدستور في وجه كل ما يمكن أن ينال منها. وقد أكّدت أمام كل الذين تحدثت معهم في هذا الشـأن أنه «اذا تعرضت الحريات العامة في لبنان للخطر فسأتولى أنا حملة الدفاع عنها»، كما شددت على الحرص على عدم مس استقلالية القضاء وعدم التدخل في التحقيقات الجارية. وبازاء ذلك أوضح النائب العام التمييزي أن أعضاء مجلس الادارة السابقة لتلفزيون لبنان يلاحقون بصفتهم الشخصية وبناء على مسؤولياتهم الادارية لا بصفتهم اعلاميين، وأبدى حرصه على كرامـة الاعلاميين واحترامه المطلـق لنقيبي الصحافـة والمحرريـن. غير أنـه أعلن أن القضاء لا يعمل تحت الضغط.

واتصلت بنقيب المحررين ملحم كرم معرباً عن تأييدي الحريات وتضامني مع الصحافة ضد ما يمكن أن يقلّص مساحة هذه الحريات. كذلك فعل وزير الاعلام أنور الخليل.

وبلغت قضية الملاحقات لعدد من الاعلاميين ذروتها في 1/8/1999 مع صدور البيان المشترك لنقابتي الصحافة والمحررين الذي تضمن رفضاً للملاحقات والمطالبة باتخاذ الاجراءات الكفيلـة اعادة الحق الى نصابـه ورد الاعتبـار الى جميع الاعلاميين الملاحقين. وقد وضعت النقابتان مطالبهما ومواقفهما في عهدة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. وقد صيغ البيان بأسلوب صارم.

عقّبت في اليوم التالي على البيان المشترك لنقابتي الصحافة والمحررين قائلاً: «لم يكن ثمة أي تعرّض لحرية الكلمة، فلم يحاسب أحد على حريـة رأي أدلى به، ولم يحاسب أحد على أفكار أو عقائد يعتنقها، ولم يحاسب أحد على طريقة تعبيره عن رأي له أو موقف. فحكومتنا هي الأكثر احتـراماً للحريات العـامة بين حكومات ما بعد الطائف، ولكن حرية الفـرد تنتهي بطبيعة الحال عند حدود حقوق الآخرين، والحرية لا تتنافى مع العدالة التي يمارسـها القضاء حفظاً لحقـوق الغير، فالذي حصل أن القضاء تحـرك ليحفـظ حـق الدولة في أموالهـا، فهـل في هذا انتهـاك للحرية؟ والقضاء لم يطلب سوى التحقيق في كيفية التصرّف بمبلغ كبير من المال خصصته الدولة لتلفزيون لبنان كي ينفق على أبواب محددة. أو ليس من حق الدولة وواجب القضاء التحقق من سلامة انفاق هذه الأموال العامة؟ والذي حصل أيضاً أن أحـدهم ادعـى، بصرف النظر عن قيمة دعواه، أن صحيفة تجاوزت حقوقه الفردية. أفليس من واجـب القضـاء أن يحقـق في الأمر ؟ ان أخطـر ما يمكن أن يحصل للحريـات هـو أن نجعلهـا في حال من التعارض أو التناقض مع القانون أو العدالة. أما أغرب ما يمكن أن يسعى اليه دعاة الحرية الاصرار على ممارستها فوق القانون وليس تحت سـقفه. ولا نعتقد أن أياً من النقابتين في هذا الوارد. أما اذا كان الاعتراض على طريقة اجراء التحقيق، وخصوصاً من حيث ضرورة الحفاظ على سـريته الى أن يسفر عن نتائج محددة فمسألة جديرة بالنظر».

وقد نوّه نقيب الصحافة محمد البعلبكي مساءً بايجابية موقفي.

واستقبل رئيس الجمهورية النائب العام التمييزي عدنان عضوم وأعلن بعد الاجتماع أن الرئيس حيّا جهود القضاء ونوّه باسـتقلاليته التامة وبُعده عن أي نوع من أنواع التدخل في شؤونه.

وأبلغ وزير العدل جوزف شاوول الى مجلس الوزراء أنه سيضع مشروع قانون يمنع نشر خبر قضائي قبل صدور قرار ظني.

عقد مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية برئاستي في 5/8/1999، أدليت في مستهلها بكلمة قلت فيها: «من سـخريات القدر أن توجه هذه الحملة الشـعواء ضد حكومتنا باسـم الحريات العامة فيما حكومتنا هي الأكثر تمسكاً بالحريات العامة والأكثر احتراماً لها بين حكومات ما بعـد الطائف. فخلافاً لما فعلت حكومات سابقة، لم تعمد حكومتنا يوماً الى وقف جريدة عن الصدور، أو وقف نشرات اخبارية تلفزيونية. كما أنها لم تدخل يوماً في عمليات محاصصة في توزيع تراخيص وسائل الاعلام المرئي والمسموع كما تمّ في الماضي على نحو مهين للحرية. من هنا قولنا المتكرر أن سجل حكومتنا الاعلامي نظيف وناصع والحمد لله، علماً بأننا ويا للعجب لم نشهد في تلك الأيام التي وقعت فيها كل تلك التجاوزات الموصوفة ولو قدراً يسيراً من الضجة المفتعلة والجائرة التي تتعرض لها الحكومة حالياً. أما هذه الحملة المغرضة التي تشن ضد حكومتنا هذه الأيام فهي حملة سياسية مبرمجة بامتياز لا تمت الى الحقيقة بصلة. ونحن نربأ برموز الحرية من رجال الصحافة أن يقعوا في حبائل هذه الحملة ونهيب بهم العودة الى ضميرهم الوطني والصحافي».

وقد اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالاجماع أكد فيه موقفه المتضامن مع ردي على البيان الذي صدر عن نقابتي الصحافة والمحررين وكذلك مع البيان التوضيحي الذي صدر عن وزير الاعلام في الموضوع.

وصدر في اليوم عينه بيان مشترك عن نقيبي الصحافة والمحررين أبديا فيه ارتياحهما الى التصريح الذي أدليت به تعليقاً على بيان النقابتين. وتساءلا في هذا البيان: «من يختلف مع الرئيس الحـص على أن حرية الفرد تنتهي عند حقوق الآخرين وأن الحرية لا تتنافى مع العدالة التي يمارسها القضاء دفاعاً عن حقوق الغير؟» وشكر النقيبان رئيس الحكومة، وهو الناطق الرسمي دستورياً باسم مجلس الوزراء على ما أبداه من ثقة صريحة بأن النقابتين ليستا في هذا الوارد. وفي 5/8/1999 دعوت من خلال وسائل الاعلام الى سحب الموضوع المتعلّق بالرئيس السابق لمجلس ادارة تلفزيون لبنان وأعضائه من التداول وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي عبر القضاء، مشيراً الى أنه من البديهي أن يختتم الملف عند قاضي التحقيق الذي ينتظر أن يستمع قريباً الى افادات المعنيين.وبالفعل تابع القضاء تحقيقاته بهدوء وصمت في هذه القضية ثم طويت صفحتها.

التنصّت على الهاتف وردني سؤال نيابي عبر رئاسة مجلس النواب يسـتوضح الحكومة ما اذا كان هناك أي تنصّت يُمارس على المخابرات الهاتفية، فكتبت الى وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن العـام وجهاز أمـن الدولة وشـعبة المخابرات في الجيش مُستطلعاً الحقيـقة. فجـاءني الجـواب من كل هذه المراجع نافياً وجود أي تنصّت. فرددت على السؤال النيابي جازِماً بأن ليس هناك أي تنصّت على المخابرات الهاتفية. كنت أول من أثار موضوع التنصّت نيابياً عندما كنت في موقع المعارضة في مجلس النواب، وذلك بتوجيه سؤال الى الحكومة عمّا اذا كان هناك أي تنصّت يُمارس على المخابرات الهاتفية، وطرحت هذا الموضوع في جلسة الأسئلة والأجوبة التي عقدتها الهيئة العامة لمجلس النواب في 28/5/1997، فكان لسؤالي وقع القنبلة في تلك الجلسة. فتلقّفت هذا الموضوع لجنة الدفاع الوطني والأمن ولجنة الادارة والعدل ولجنة الاعلام ولجنة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ولجنة النظام الداخلي وحقوق الانسان. ثم تناولت هذا الموضوع لجنة مصغّرة ضمّت النائب اللواء سامي الخطيب والمدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم، علماً بأن النائب سامي الخطيب هو صاحب القول في جلسة 28/5/1997 «أنّ العهود كلها مارست التنصّت، وأنه في زمان الشهابية كان 70 خطاً تخضع للرقابة أما اليوم فهي 7000 خط». وفي عهد حكومتنا، في الجلسة التي عقدها مجلـس النواب لمناقشـة الموازنة في 13 تمـوز (يوليو) 1999 أثار النائب باسـم السبع هذا الموضوع مجدداً. فاجتمعت لجنة الاعلام في 3/8/1999 وتداول أعضاؤها الآراء وخلصوا الى أنّ هناك تنصّتاً على المخابرات الهاتفية من دون الجزم بما اذا كان ذلك يشـمل الهاتف الخليوي. وكانت الأجهزة الأمنية قد أكّدت، في جلسة للجان المشتركة عقدت في 11/6/1997، أنّ التنصّت يقوم به عادةً الأمن العـام لضرورات أمنية وبناءً على طلب من المدعي العام التمييزي أو بمبادرة منه على أن يبلّغ الى النيابة العامة قراره لاحقاً. وسط الضجّة التي أثيرت حول هذا الموضوع عقدت جلسة للجان المشتركة في مجلس النواب في 16/9/1999 برئاسة الرئيس نبيه بري، الذي صرّح في الجلسة أنّه مع التنصّت على المجرمين والمُعتدين على الأمن القومي على أن يكون التنصّت مبنياً على موافقة قضائية، وطالب بقوننة عملية التنصّت ووضع ضوابط لها. ونُسب اليه قوله في الجلسة: «ان المعلومات التي أعطيت لنا بالنسبة الى التنصّت السياسي غير دقيقة ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك، وكلنا يعرف أن هناك تنصّتاً على رؤساء ووزراء ونواب وغيرهم». وقد أفاد مدير عام الأمن العام اللواء جميل السيد في الجلسة عن وجود عمليات تنصّت على بعض المخابرات. فاعتبرت ذلك مُغايراً للافادات التي تلقّيتها من الأجهزة الأمنية في معرض الردّ على السؤال النيابي، فكان أن جزمت في ردّي بعدم وجود تنصّت. فوجّهت غداة جلسة اللجان كتاباً الى وزير الداخلية ميشال المُرّ أستوضحه الحقيقة. فردّ عليّ وزير الداخلية كما يلي: «جواباً على كتابكم الموجّه الينا بتاريخ 17/9/1999 حول ما أدلى به المدير العام للأمن العام أمام جلسة اللجان النيابية المشتركة في موضوع التنصّت، نُفيد حضرتكم بأنّ جواب المدير العام للأمن العام في ما يعود الى التنصّت على الهاتف الثابت والخليوي تضمّن ما يأتي: أولاً، انّ مركز التنصّت على الهاتف الثابت لا يزال مُقفلاً منذ عام 1997، مؤكّداً بذلك ما جاء على لسان وزير الداخلية في الجلسة. وهذا يتطابق مـع جواب الأجهزة الأمنية عن السـؤال النيـابي المـوجّـه الى الحكومـة بهذا المـوضوع. ثانياً، انّ التنصّـت على الهـاتف الثـابِت أمرٌ سـهل جدّاً وليس عمليّة تقنيّة معقّـدة، ويمكن أن تحصـل مـن أي مكـان. واذا تمّ ذلك فيكون باذنٍ من النيابة العامة التمييزية لسـببٍ محدّد قضائي أو أمني. وقد أكّد ذلك المـدعـي العـام التـميـيزي الـذي كـان حاضـراً الجلـسة. ثالثاً، أما بالنسبة الى الهاتف الخليوي، فمن المؤكّد أنّ جميع الأجهزة الأمنية لا يوجد لديها ما يسمح بالتنصّت عليه. لذلك لا نرى تبايُناً بين ما جاء في الجواب عن السؤال النيابي وما قاله المدير العام للأمن العام في المجلس النيابي». فـي الـيـوم الأول مـن وجودي فـي نـيـويـورك، الـتي تـوجّهت الـيها فـي 19/9/1999للمشاركة في اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة، لفتت نظري الملاحظات التي حفلت بها بعض الصحف اللبنانية حول الكتاب الذي كنت وجّهته لوزير الداخلية ميشـال المُرّ مسـتوضحاً المفارقة التي برزت بين ما كان وزير الداخلية أبلغني اياه، وهو أن لا تنصّت في الأمن العام، وما صرّح به المدير العام للأمن العام خلال مناقشات اللجان المشتركة في مجلس النواب اذ قال انّ التنصّت يُمارس باذنٍ من النيابة العامة التمييزية، فأدليت بتصريح قلت فيه: «يهمّني أن أُبيّـن أننـي انمـا فعـلت ذلك لكي يكون بين يديّ مُستند أُصحّح بموجبه ما سبق أن أبلغته الى مجلس النواب ردّاً على سؤال نيابي. وقد ظهرت المفارقة في جواب وزير الداخلية عن كتابي اليه والذي أكّد فيه وجود التنصّت على حالاتٍ معيّنة باذنٍ من النيابة العامة التميزيّة». وبعد خروج حكومتنا من الحكم عادت هذه القضية لتستقطب الاهتمام النيابي والاعلامي. وكان مجلس النواب قد صدّق على قانون تنظيم عملية التنصّت وهو يحدّد الضوابط لها، مستثنياً من عمليات التنصّت الرؤساء والوزراء والنواب. الا أن المجلس الدستوري أبطل في 23/11/1999 استثناء المسؤولين مؤكداً مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. أحداث الضنية في اليوم الأخير من عام 1999، وعشية بزوغ فجر القرن الحادي والعشـرين، وقعت أحداث مُفجعة في منطقة الضنية في شمال لبنان، بدأت بتعرُّض دورية للجيش اللبناني في محيط بلدة عاصون لمكمن مُسلّح أقامته مجموعة عُرفت بجماعات «التكفير والهجرة»، فأدّى هذا المكمن الى اسـتشهاد خمسة عسـكريين، وانتهت الأحداث بعد أربعة أيام باستشهاد 13 عسكرياً واحتلال الجيش معاقل المسلحين ومقتل لا أقلّ من أربعين منهم واعتقال آخرين ومُصادرة كمّيات من الأسلحة والذخائر. صدرت عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش ثلاثة بيانات بالتطورات التي كانت منطقة العمليات مسرحاً لها، وصدرت عن الهيئات والفعاليات والنواب في الشمال مواقف شاجبة ومُستنكرة تُطالب باعتقال مرتكبي الاعتداء على الجيش ومحاكمتهم، وأجمعت البيانات الصادرة عن الهيئات الاسلامية على أن المسلحين هُمّ من فلول الناشطين الاسلاميين الذين تنقّلوا من تنظيم الى آخر، وأنّ أحداً منهم لا ينتمي الى أيٍ من تلك الهيئات، وأن لا وجود لمسلحين من أبناء الضنية بينهم. ولدى تبلّغي خبر انفجار الأحداث أدليت بتصريح قلت فيه: «انّ الاعتداء الغاشم الذي تعرّض له الجيش اللبناني الباسل مرفوض رفضاً قاطعاً ومـستنكر أشدّ الاستنكار. انّ اللبنانيين جميعاً، بكل فئاتهم، براء مما ارتكبته عناصر مسلحة من اعتداء على أمن الناس وأمن الدولة. وهذا في الوقت الذي يجثم الاحتلال فيه على أرض الجنوب والبقاع الغربي ويتعرّض شعب لبنان في المناطق المحتلة والمناطق المتاخمة لاعتداءات اسرائيلية متواصلة. ان خسارة لبنان بشهداء جيشه غالية. ستبقى أرواح هؤلاء عنواناً لروح التضحية والفداء التي يتحلّي بها الجيش اللبناني في الدفاع عن أمن المواطن واستقراره. واذا كانت الحوادث الاجرامية المفتعلة قد تسببت بأي ضرر أو خسارة للآمنين الأبرياء، فذلك يُحزننا ويُضاعف من تبعات مُفتعلي هذه الحوادث الغاشمة». وقد تابعت مجرى الأحداث عن كثب من خلال اتصالات مستمرة أجريتها في الليل والنهار مع قيادة الجيش ومدير المخابرات في الجيش. وفي اليوم الثالث تلقّيت اتصالاً هاتفياً من قائد الجيش العماد ميشال سليمان أبلغني فيه انتهاء الاشتباكات وأنّ العمليات باتت محصورة بتعقّب عدد محـدود من المسـلحين الذين فرّوا الى جرود المنـطقة. وأعقب ذلك، مساء 2/1/2000، صدور بيان عن مدير التوجيه في قيادة الجيش العقيد الركن الياس فرحات دعا فيه وسائل الاعلام الى ايفاد مندوبين عنها للقيام بجولة ميدانية في منطقة العمليات في الضنية صباح اليوم التالي. أما شرارة الأحداث فقد انطلقت حين توجّهت قوّة من الجيـش لاقامـة حواجز ودوريات في مناطق شمالية عدّة للحفاظ على الأمن خلال الاحتفالات برأس السـنة، وخصّت منطقة عاصون بقوّة لتعقّب مطلوبين اثنين بتهمة القاء متفـجرات على كنائـس في طرابلـس، وهمـا من الناشـطين الاسـلاميين المتطـرفين الذين لا ينتمون الى أيٍ من الهيئات الاسلاميـة المعروفـة. فأرسـلت قـوّة مـن الجيـش الى بلدة عـاصـون للتـمـركـز فـي البلـدة ورصـد تحـركات المطـلوبين. فنصب عـدد كبيـر من المسلحين كميناً للقوّة العسكرية فأوقعوا في صفوفها خمسـة قتلى وأسـروا ضابطاً وجندياً.

فحشد الجيش قوّة كبيرة توجّهت الى المنطقة وطوّقت منطقة جبال الأربعين من جهاتها الأربع، وبدأت مناوشات مع المسلحين تطوّرت الى اشـتباكات عنيفة، وتمكّن الجنود من احتلال مواقع ومنازل كان المسـلحون يُرابطون فيها، وصادروا كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. وعند محاولة بعض المسلحين التغلغل في جرود المنطقة عمد الجيش الى تطويق المسلحين عبر انزال جنوده بواسطة الطوافات العسكرية، فتمـركزوا في نقاط تتحكم بما حولها لمنع هروب المسلحين وتسلّلهم الى مناطق مجاورة. وقد أخّر عملية الحسم واعتقال المطلوبين الخوف على مصير المخطوفين، وهما الرائد ميلاد النداف (الذي كان رقي ليلة الحادث الى رتبة مقدم )، والرقيب المرافق له. وقد رافق وصول قوة الجيش الى المنطقة مسعى من الهيئات الاسلامية لاقناع المطلوبين بتسليم نفسيهما الى العدالة. وقام بهذا المسـعى النائب خالد ضاهر كونه من قيادة «الجماعة الاسلامية» في الشمال ومعه ممثّل عن «حركة التوحيد» ونائب رئيس بلدية سير. وفيما كانت المساعي تدور في مكانٍ معروف بجبال الأربعين مع المطلوبين. سمع دوي قذائف وطلقات نارية كثيفة من داخل بلدة عاصون، وتبيّن أنّ حاجزاً للجيش تعرّض لهجومٍ غادر من مسلحين. وفور سماع المسلحين المحيطين بالمطلوبين النار واطلاعهم على ما جرى اقتادوا النائب ضاهر ورفيقيه الى مكانٍ بعيد حيث احتجزوهم حتى منتصف الليل، الأمر الذي جمّد أيِّ هجومٍ للجيش ضدّ المسلحين. وصباح اليوم التالي، وبعد التأكّد من عودة النائب ورفيقيه، بدأت قوّة الجيش هجومها، وأحكمت الطوق حول المنطقة برمّتها وسيطرت على مداخلها ومخارجها. وأخيراً تمكّنت القوة العسكرية من السيطرة على المنطقة وبدأت بتوسيع رقعة انتشارها. واستغرقت العملية بعض الوقت بسبب حرص الجيش على حياة المدنيين الذين انتشر المسلحون في أحيائهم الآهلة. وقد عُثِر على الرائد ميلاد النداف مقتولاً. انتهت الأحداث وبقيت ذيولها تتفاعل مدّة طويلة من الزمن. وقد كان من شأنها اثارة القلق العميق في صفوف الشعب في كل مكانٍ من لبنان، وكان من شأنها أيضاً تسميم الأجواء الأمنية، اذ رسمت علامات استفهام حول عمق الاستقرار الذي ما فتئ ينعم به البلد منذ وضعت الأزمة الوطنية الكبرى أوزارها قبل نحو عشر سنوات. وقد طرأ في 3/1/2000 تطوّر خطير تمثّل في انتقال التوتّر الى قلب العاصمة بيروت على امتداد ساعات من النهار، اذ روّع مُسلّح فلسطيني منطقة مار الياس وعمد بدوره الى احتجاز رهائن في مبنى قريب من مقرّ السفارة الروسية قبل أن تجهز عليه القوى الأمنية بعدما تمكّن من قتل عريف في قوى الأمن الداخلي وجرح تسعة. وقد أظهر العميد في قوى الأمن الداخلي وليد قليلات شجاعة نادرة في انهاء هذه العملية. عقد مجلس الوزراء في 4/1/2000 جلسة استثنائية بحث خلالها في أحداث الشمال الأليمة واستمع الى قائد الجيش العماد ميشال سليمان ومدير المخابرات العميد ريمون عازار ونائب رئيس الأركان للعمليات العميد عصام عطوي وقرر احالة القضية على المجلس العدلي. بيان المصادر الوزارية صدر في الوكالة الوطنية للاعلام في 15/6/1999 بيان لما سُمّي مصادر وزارية انتقد بشدّة متناهية الرئيس رفيق الحريري مُسمّياً ايّاه بالاسم، فأثار ضجّة سياسية واعلامية واسعة تناولت الشكل كما المضمون. فقد كان تجهيل الفاعل ومن ثم التستُّر بالمصادر الوزارية مُستهجناً كما كانت اللهجة التي صيغ بها البيان غير مقبولة. وكان هذا البيان على ما ظهر لاحقاً من صنع جهاز أمني ربما بناء على كلام منسـوب لأحد الوزراء. وقد تمّ ذلك من دون علمي ومن دون موافقتي. الاّ أنّ الموقف المترتّب على صدور ذاك البيان زاد التباساً بتصريح لوزير الاعلام أنور الخليل قُبيل سفره الى القاهرة تبنّى فيه عملياً مضمون البيان. وكنت قد اتّصلت بالوزير الخليل قبل ظهر ذلك اليوم مسـتوضحاً ايّاه ما اذا كان على علم مُسبق به فنفى ذلك. وقد حاول الوزير الخليل في تصريحه تبرير البيان بالاشارة الى «ما قرأناه ولمسناه من تحامل في غير مكانه على سدّة الرئاسة الأولى من جهة وعلى رئيس الوزراء من جهة أخرى»، مُضيفاً «انّ حقّ الردّ واجب». وقد سارعت الى التأكيد أن لا علاقة للحكومة اطلاقاً بهذا البيان، وقلت لدى مغادرتي السرايا الحكومية ردّاً على سؤال: «هذا ليس أسلوبنا ونحن نرفضه». ودافع نائب رئيس الوزراء ميشـال المُرّ عن البيان فقال: «المصدر الوزاري يعني انّه عندما يستقبل أي وزير صحافياً ويعطيه معلومات ويتمنّى عليه عدم نشـر المعلومات عن لسانه، عندها يكتب الصحافي المعلومات نقلاً عن مصدر وزاري أو مرجع وزاري. وأظنّ أنّ وزير الاعلام قال انّه يتبنّى هذا الموضوع». وقد أرسلت في 17/6/1999 ردّاً على سـؤال نيابي حول هذا الموضوع قلت فيه: انّ المصادر الحقيقية للتصرح كانت غير وزارية، وأن لا علاقة اطلاقاً لمجلس الوزراء ورئيسه بالتصريح المذكور وانّ وزير الاعلام لم يطّلع على مضمونه قبل نشـره، وانّه تمّ التعرّف الـى الجهة التي تقـف وراء التصـريـح واتّـخـذت الاجـراءات الكـفيـلة عـدم تكـرار مثل هذه الممارسة، وان موقف رئيس مجلـس الوزراء من البيانات السياسية المُغفلة هو الرفض، وانّ الوكالة الوطنية للاعلام نشرت هذا التصريح كما تنشر دوماً جميع البيانات حتى المعارضة منها للحكومة والناقدة لسياساتها. الاّ أنّ الحملة التي تُشنّ على الحكومة لم تهدأ واستمرّت في التفاعل، فأدليت بتصريح قلت فيه: «أستغرب هذا الامعان في مهاجمة الحكومة على نشر بيان بتوقيع مصادر وزارية مُسخّرين وسائل الاعلام التي يملكونها وتلك التي يسيطرون عليها، ونستغرب بخاصة اسـتمرار الحملة حتى بعدما أوضحت الحكومة تكراراً حقيقة موقفها من أسلوب البيانات السـياسية المغفلة. نحن نفهم أن يولي الأنصار والأتباع كل هذا الاهتمام لكون البيان لا يحمل توقيعاً صريحاً، ولكننا لا نفهم عدم ايلاء أي اهتمام لمضمون البيان، فلم يُبادر أحد منهـم الى الـردّ علـى ما تضمّنـه مـن وقائـع خطيـرة. النـاس قرأوا البيان أو اسـتمعوا اليه، وفيه مـا فيـه من مآخـذ موصوفـة، فمـاذا يعني السكوت عنهـا وتجاوزهـا الى التركيز على شـكل البيان وتوقيعه؟

انّ البلاد تواجه قضايا كثيرة أهمّ من توقيع بيان، فليرتفعوا الى المسؤوليات الوطنية ويطووا هذه الصفحة المُبتذلة التي شغلوا الناس بها أكثر مما يجب، وليكفّوا عن تهديدنا بتحويل السـؤال النيابي استجواباً. فليس لدينا ما نقوله في الردّ على الاسـتجواب غير ما قلناه في الردّ على السؤال. أما اذا كان القصد من الاستجواب الوصول الى طرح الثقة بالحكومة، فنحن نُرحِّب بذلك». غياب الرئيس حافظ الأسد أعلن في 10/6/2000 أنّ الرئيس حافظ الأسد انتقل الى رحمته تعالى، فاستقبل النبأ بذهولٍ واسع بين الناس وحزنٍ عميق. جرى تشييع جثمان الفقيد الكبير في بلدة القرداحة في 13/6/2000 فشاركت فيه والرئيس اميل لحود والرئيس نبيه بري. وقد توالت كلمات التأبين للراحل الكبير على المستويين العربي والدولي، وكلّها تشهد للدور المحوري والفاصل الذي قام به اقليمياً ودولياً على امتداد نحو ثلاثين سنة، وقد تميّز نهجه بالبُعد الاستراتيجي والالتزام القومي الذي لم يحدّ عنه قيد أنملة طوال حياته الزاخرة بالنشاط والعمل والمبادرات الشجاعة. فكان في موقعه بحقّ شاغل العالم. توجّهنا يوم التشييع أولاً الى دمشق حيث كان جثمان الفقيد الكبير مُسجّى في قصر الشعب وحيث كان نجل الرئيس الدكتور بشار يتقبّل التعازي. وكان قصر الشعب يعجّ باللبنانيين من سياسيين ومواطنين، وكان القادة العرب يفدون الى القصر لتقديم واجب التعزية. فبقينا في دمشق حتى انتهاء مراسـم التعزية الرسمية في قصر الشعب، ثم انتقلنـا جوّاً الى مطار اللاذقية فالقرداحة، وكانت الطريق الى القرداحة تغصّ بالمشيعين، فتوجّهنا الى قاعة الاستقبال التابعة للمسـجد في انتظار الصلاة عن نفس الفقيد ومن ثم تشييعه الى مثواه الأخير. وقد سرنا جميعاً خلف النعش الى المدفن وسط تدافع الجماهير الحاشدة، فبلغت جثمان الفقيد بصعوبة شديدة وقد أعياني التعب، وقد وصلت مكان الدفن متأخّراً بعد أن وُوري الجثمان الثرى. فقدّمت التعازي الى نجله الدكتور بشار وسائر أفراد أسرته وقفلت عائداً الى بيروت.

الهجوم المثلث الأضلاع في أواخر شهر حزيران (يونيه) وبداية شهر تموز (يوليو) تعرضت الحكومة وتعرّضت شخصياً لهجوم مثلث الأضلاع على ثلاثة محاور: المحور الأول هو مشروع الحكومة بدمج مجلس الانماء والاعمار ومجلس تنفيذ المشاريع الانشائية ومجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت، أما الحملة العنيفة، التي شنتها وسائل الاعلام التابعة للرئيس الحريري وتلك المحسوبة عليه، فقد تركّزت على أنني في مشروع دمج مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت بالمجلسين الآخرين انما أفرّط في مصلحة بيروت وحقوقها. والمحور الثاني كان اعادة تحرك الاتحاد العمّالي العام في موضوع الأزمة المعيشية المستحكمة والمطالبة بحلول سريعة لها. أما المحور الثالث فكان ارتفاع سعر البنزين الذي يكبّد المواطنين أعبـاء اضافيـه. وقد تزامن هذا الهجوم المثلث الأضلاع مع بداية اشـتداد أوار المعركة الانتخابية. فكان لا بد لي أن أطلق هجوماً معاكسـاً من خلال بيان أصدرته في 4/7/2000، قلت فيه:

تشن بعض الجهات المعروفة الانتماء حملة شعواء حول مشروع دمج الوزارات والمجالس، وقد ظهر جلياً أن هذه الحملة تستهدفني شخصياً. أما ردّنا على هذه الحملة المضللة فنختزله بما يلي:

أولاً، ان مشـروع الدمج هو مشـروع قانون يمثل وجهة نظر الحكومـة. ومشـروع القانـون هذا محال على مـجلس النـواب لمناقشـته والموافقـة عليـه أو ردّه أو تعديله. وهذا من حق مجلس النواب في كل الأوقات وحيال كل المشاريع التي تتقدّم بها الحكومة من مجلس النواب. فمن لـه رأي مغاير لرأي الحكومة فما عليه الا أن يبدي رأيه في خلال المناقشة ومن ثم في التصويت على المشروع. فعلامَ هذه الحملة الشعواء اذن.

ثانياً، ان مشروع دمج الوزارات والمجالس طرح في جدول أعمال الجلسة التشريعية الأخيرة التـي عقدهـا مجلس النواب في 9 أيار 2000، أي منذ حوالي الشـهرين، فتقررت احالتـه على اللجـان المشـتركة. خـلال هذيـن الشهرين لـم نسـمع رأي المتنطّحين لمهاجمتنا اليوم في هذا المشروع. فما مبرر انفجار الحملة فجأة اليـوم ؟ اذا كان السـبب هو انعقاد اللجان المشتركة، فلكل نائب أن يدلي بموقفه داخل الجلسـة.

فما مبرر الحملة الاعلامية الشرسة ؟ هناك تفسير واحد لقيام هذه الحملة هو الاستغلال الانتخابي الرخيص. وعندما يدرك الناس الحقيقة فسترتد هذه الحملة الى نحر مفتعليها.

ثالثاً، ان مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت كان يعمل خلال السنوات الماضية في تنفيذ المشاريع العائدة لمختلف المناطق وليس لبيروت، وقد حل في ذلك الى حدٍ كبير محل مجلس تنفيذ المشاريع الانشائية. فما معنى القول اذن أن دمج مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت ينطوي على اضرار بمصالح العاصمة؟

رابعاً، هناك قرار صادر عن المجلس البلدي لمدينة بيروت رقم 362 تاريخ 14/12/1998 يقضي بالغاء تكليف هذا المجلس درس وتنفيذ بعض مشاريع العاصمة. خامساً، هناك مشروع قانون محال على مجلس النواب بتاريخ 2/2/1993 بتوقيع رئيس مجلس الوزراء آنذاك السـيد رفيق الحريري يقضي بدمج مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت بالبلدية. ومع أنه عاد فسحب المشروع، فقد جاء في أسبابه الموجبة أنّه «يمكن البلدية نفسها أن تقوم بأعماله ولديها أجهزتها المعنية لتحل محل المجلس».

سادساً، أين هي الجريمة اذا وجدنا أن مجلساً واحداً يستطيع أن يقوم بالمهام التي كانت تقوم بها ثلاثة مجالس، فارتأينا دمجها ؟

لكل هذه الاعتبارات أقـول ان الحملـة المضللة التي تُشـن علينا في هذا الصدد انما هي من قبيل المناورات الانتخابية المكشوفة. الى هؤلاء نقول: تستطيعون أن تخدعوا بعض الناس كل الوقت، أو كل الناس بعض الوقت، ولكنكم لن تسـتطيعوا أن تخدعوا كل الناس كل الوقت. وأمام قوة الحقيقة لن تجديهم أموالهم ولا هيمنتهم على وسائل الاعلام.