بوش ـ شارون والسياسة الخارجية للعالم العربي

TT

تعقد القمة العربية وكما هو معتاد دائما في ظل عجز سياسي عربي للوصول الى مواقف موحدة في ما يتعلق بمصالح الأمة العربية وقضاياها، وما سوف تتخذه من قرارات لن تخرج عما تعودنا عليه من قرارات شجب أو ادانة، وفي أفضل الحالات استخدام مصطلحات مثالية وحديثة عن العولمة والتنمية لا يفقه معناها أكثر من وضع خطب أو كلمات الزعماء العرب. لماذا يعاني العالم العربي من ضعف أزلي في أداء السياسة الخارجية سواء في توجهاته نحو الأصدقاء أو الأعداء؟ ولماذا هي تملك وجوها عديدة ومتناقضة بشكل يؤدي الى فقدان الثقة والمصداقية في ما تطرحه من قضايا وآراء على المستوى الإقليمي والدولي وليس لها في الواقع ثوابت تجمع عليها الدول العربية؟ بينما نجد ان السياسة الخارجية للغرب هي الأقوى والأوضح في توجهاتها وثوابتها إقليميا ودوليا مع وجود اختلافات طفيفة في الوسائل والأدوات من دولة لأخرى؟

في القرن الماضي كانت الدول العربية وإعلامها يحيل أي فشل يصيب سياستها الخارجية إلى نظرية المؤامرة الدولية وإنها السبب الرئيسي في عدم وجود اصدقاء دائمين لعالمنا العربي. والأخذ بهذه النظرية في كل سياسات أو توجهات غربية أدى إلى زيادة الفجوة والجفوة بيننا وبين العالم الغربي الذي أصبح وفي ظل العولمة مرتبطا بعلاقات حتمية وأزلية مع عالمنا العربي شئنا أم أبينا.

الكاريزماتية.. إلى متى؟

والآن نحن لا نزال نعاني مشكلة نابعة من تكوين عالمنا العربي السياسي المتغير مع تغير الحكام فيه أو تغير طبيعة أنظمة الحكم، وهي أعمق وأخطر من سابقتها ومتعمقة في ثقافتنا السياسية والاجتماعية، ومخاطرها ما زالت تعصف في عالمنا العربي على المستوى المحلي والدولي وهي منح الشخصية الكاريزماتية ذات الصفة القيادية الخارقة لزعمائنا العرب.

هذا الموروث لثقافتنا السياسية تكون ووجد خلال عقود من الزمن في العالم العربي وهي إلزامية وجود الحاكم الرمز المنقذ للبلاد والعباد والذي من غيره تعم الفوضى والفساد، هذا التمجيد لشخصية الحاكم الفرد والاعتقاد بشخصية الرجل المنقذ ورجل الثورة ورجل التحرير وما إلى هنالك من مصطلحات أصبحت في صلب ثقافتنا السياسية حتى أصبحنا لا نجد أثراً واضحاً أو دوراً فاعلاً لدولة المؤسسات في عالمنا العربي أو في مؤسساته الإقليمية التي نعلق عليها آمال شعوبنا، وأصبحنا نتعامل في سياستنا الخارجية من خلال هذا الموروث الذي يجسد سياسة وتوجهات الدول بشخصية الرئيس أو الرمز وللأسف الشديد إن عالمنا العربي منذ استقلاله وتكون دوله لا يزال اعلامه يرجع حسن اختيار القرار لهذا النمط من الزعامات بينما يجير السيئ منها لغيره.

العالم العربي في سياسته الخارجية ومن خلال وسائل إعلامه يتعامل من خلال هذا المنظور الذي جاء بنتائج عكسية على شعوب العالم العربي وأصبح الغرب يتعامل في سياسته الخارجية مع عالمنا العربي من خلال هذا الموروث الذي أصبح وبالا على أمتنا، فمصير شعب بكامله مرتبط بمن يملك زمام الحكم في أي دولة عربية أهو حليف أم عدو لمصالح الغرب في المنطقة، وهذه ضريبة حتمية تتحملها شعوبنا العربية في كل أزمة سياسية تحدث بيننا وبين الغرب.

هناك حدثان في الآونة الأخيرة يمسان العالم العربي ويشكلان محورين رئيسيين في السياسة الخارجية لدول العالم العربي وهما الانتخابات الامريكية والاسرائيلية. الأولى تكمن أهميتها في العلاقة الوثيقة التي تربطها بالمنطقة العربية وقضاياها، سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية والثانية تكمن أهميتها في حقيقة الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية وعملية السلام في المنطقة.

من الملاحظ ان عملية التحليل السياسي التي انتهجتها وسائل إعلامنا العربي من صحافة ومحطات تلفزيونية وإذاعة خلال وبعد مرحلة الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، نرى فيها بوضوح كيف تعامل الساسة العرب والإعلام العربي مع هذين الحدثين، حيث كانت تصريحات المسؤولين العرب والتحليل الإعلامي تتناول في الغالب المرشحين ومن سيصل الى السلطة والحكم والاهتمام بشخص المرشح أكثر من برنامجه السياسي المعبر عن توجهاته السياسية خلال فترة رئاسته المقبلة، ناهيك من أن فوز مرشح أو آخر يعطي دلالات عن توجه الرأي العام في هذه الدول، الأمر الآخر هو الفهم الخاطئ لمفهوم السياسة الخارجية للدول الديمقراطية اذ ان التصور السائد لدى السياسيين العرب والاعلام العربي أن السياسة الخارجية لهذه الدول تتشكل وترسم حسب نوعية وشخص الرئيس، ولا توجد تفرقة لدى الساسة العرب بين الخطوط الثابتة للتوجهات القومية على المستوى الدولي وبين الخطوط المتغيرة في الوسائل والادوات في السياسة الخارجية للدول الديمقراطية.

السلف والخلف في أمريكا وإسرائيل في الانتخابات الأمريكية وصل جورج بوش الابن للحكم كما تمنى كثير من العرب، وهو الذي يعتبر اسرائيل دولة صديقة وحليفا استراتيجيا، وأمن اسرائىل وضرورة استمرارية دعمها ككل رؤساء أمريكا السابقين، واجريت المناورات العسكرية المشتركة للجيشين الامريكي والاسرائيلي في صحراء النقب كما كان مرسوما لذلك من عهد الرئيس كلينتون. كذلك بالنسبة لقضية لوكربي نفس السياسة المتبعة منذ عهد رونالد ريجان، والسياسة الامريكية تجاه كوبا لم تتغير ايضا، وغيرها من مناطق الصراع أو التي لها علاقة بالمصالح الامريكية لا نرى تنوعا واختلافا بشأنها في السياسة الخارجية ولكن ربما في الادوات والوسائل علما بأنها اكثر دول العالم التي يتداول فيها رجال السياسة السلطة كل عدة سنوات.

وفي الانتخابات الاسرائيلية تناولت أو بالأحرى تناقلت الصحافة العربية ما بثته وكالات الانباء العالمية عن شخصية الارهابي المنتخب ارييل شارون، كما وصفت صحافتنا العربية استحالة استمرار عملية السلام في المنطقة في ظل رئاسته الحالية، نظرا لتاريخ شارون الدموي خلال الحروب الاربع التي مرت بها المنطقة. ونجد ان الاعلام العربي والساسة العرب تعاملوا مع وصول شارون للسلطة في اسرائيل من هذا المنظور والموروث التاريخي لثقافتنا السياسية «الرئيس أو الملك أو الحاكم بأمره» الذي يتصرف بأمور الدولة كما يشاء من دون حسيب أو رقيب والذي باشارة منه تعلن الحرب أو يتم وقفها، علما بأن لا احد في عالمنا العربي ينكر قيام الكيان الصهيوني على اسس ديمقراطية مشابهة الى حد كبير للديمقراطية الغربية.

الديمقراطية الاسرائيلية هي التي اوصلت شارون للحكم من خلال برنامجه السياسي المحقق لرغبات عدد كبير من الناخبين الاسرائيليين. وهذا الفوز يعطي مؤشرات خطيرة لما يجري في الشارع الاسرائيلي من تكون رأي عام متطرف يرى في شارون الشخصية السياسية التي تستطيع تحقيق تطلعات ناخبيه السياسية والتعامل مع العالم العربي من منظور اكثر شرعية من حكومة سابقه باراك.

ان عملية السلام مع اسرائيل في الواقع لن تمس القواعد والاسس الدينية الثابتة التي انشئت عليها اسرائىل والتي حددت هويتها. ومهما يكن فلن يستطيع اي من المرشحين الصهاينة تجاوز الخطوط الحمراء لسياستها الخارجية سواء كان متطرفا أو معتدلا. فالمسجد الاقصى في نظر الصهاينة مقر الهيكل المزعوم، ولا عودة للاجئين، ودولة فلسطين ان اقيمت فهي لا بد ان تكون منزوعة السيادة. لا احد من زعماء اسرائيل منذ بداية عملية السلام استطاع تجاوز هذه الخطوط الحمراء في سياسة اسرائىل وهي لم تتغير في عهد كل من شامير، رابين، بيريز، نتنياهو وباراك.

وحدة الهدف ان التنافس على الرئاسة ديمقراطيا في اسرائيل على النمط الغربي ليس دليلا على اختلاف الثوابت لدى المرشحين أو اختلاف على درجة الولاء للدولة اليهودية أو الاسس التي انشئت عليها، وقبول باراك منصب وزير دفاع في حكومة شارون وبيريز منصب وزير للخارجية يؤكد وحدة السياسة والهدف. والسؤال المطروح كيف سمح الاعلام العربي لنفسه بمحاولة اقناع الرأي العام العربي بأن جورج بوش افضل من آل جور أو باراك افضل من شارون؟، وهل كل فترة اربع سنوات يجب على الزعامات العربية ان تنتظر من سيصل الى البيت الابيض أو الكنيست حتى تقرر مصير الامة العربية ومستقبلها؟

* كاتب سعودي