اليأس ليس هو البديل

TT

وفرت الأحداث الأخيرة أسبابا كافية للشعور باليأس والإحباط بين سكان منطقة الشرق الأوسط والمهتمين بقضية السلام والعدل.

عندما رفض الناخبون الإسرائيليون ايهود باراك بصورة حاسمة كان هناك أمل لدى البعض في ان تكون فترة رئاسة آرييل شارون للحكومة قصيرة وان تكون بمثابة توعية للشارع السياسي الإسرائيلي. قرار حزب العمل الإسرائيلي بالتخلي عن المبادئ المتبقية له والمشاركة في حكومة شارون أضفى مصداقية على واحد من أبرز مجرمي الحرب الإسرائيليين، كما من المحتمل ان تؤدي مشاركة حزب العمل إلى تطويل فترة ترؤس شارون للحكومة الإسرائيلية.

وفي نفس الوقت فان رد فعل الإدارة الأميركية الجديدة، التي انتخبت بفضل التأييد الواسع للناخبين العرب والمسلمين، تجاه موت عملية السلام لم يكن فحسب في وعودها بتقديم أقوى دعم لإسرائيل، بل وجهت ضربة جوية جديدة للعراق كما ركز وزير الخارجية الأميركي كولن باول في جولته الأخيرة في المنطقة على مواجهة الخطر الذي يشكله العراق على المنطقة.

هذا المسلك الشاذ من بقايا الكسندر هيج، وهو جنرال سابق آخر عمل لحسن الحظ لفترة قصيرة كوزير لخارجية إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان قبل حوالي عشرين عاما. طرح هيج فكرة إقامة حلف عربي ـ إسرائيلي ضد «الخطر السوفياتي» وهي فكرة لا علاقة لها بالواقع بحيث يبدو صاحبها ليس فقط من دولة أخرى بل من كوكب آخر.

إذا كان الساسة الأميركيون يعيشون معنا على ظهر كوكب واحد، ربما أدركوا ان التوجه الراهن لسياساتهم الخاصة بالشرق الأوسط لن يؤدي إلى تغيير النظام في العراق وإنما قد يقود إلى تغيير في دول عربية أخرى ذات أنظمة موالية لواشنطن وشعوب معادية للولايات المتحدة. الأوضاع الراهنة معتمة ومثيرة للتشاؤم، غير ان هناك خيارا للعالم العربي بدلا عن الإذعان وانتظار الأسوأ. العالم العربي ليس عاجزا، إذ باستطاعته إنجاز السلام في الشرق الأوسط على أساس عادل ليس في المستقبل البعيد بل في القريب وليس عن طريق العنف وإنما من خلال تطبيق ذكي ومسؤول لضغوط اقتصادية متوازنة.

الوقت مناسب الآن لتبنّي نهج للسلام واضح وسهل الفهم لا يرقى إليه الشك. يرتكز النهج المقترح على الترهيب والترغيب في آن واحد وإعلانهما في القمة العربية المقبلة في عمان هذا الشهر. أولا، الترغيب: يعلن أكبر عدد ممكن من الدول العربية والإسلامية ودون مواربة أن إسرائيل إذا التزمت بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة إلى الحدود المعترف بها دوليا، فإنها ستعترف دبلوماسيا بإسرائيل وتعرض تبادل السفراء وتدخل في علاقات تجارية طبيعية. هذا النوع من الترغيب سيكون صعبا ومؤلما بعد أحداث الأشهر الأخيرة، لكنه ضروري وجوهري إذا كان لا بد من ترك أثر فاعل لـ«العصا» على الرأي العام الغربي، والأميركي على وجه التحديد، وعلى رد فعل إسرائيل تجاه استخدامها. ثانيا، الترهيب: تعلن الدول العربية والإسلامية المنتجة للنفط انها إلى حين التزام إسرائيل تماما بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب من كل الأراضي المحتلة إلى الحدود الدولية المعترف بها، ستخفض إنتاجها بنسبة خمسة بالمائة شهريا.

سيكون من الافضل بالطبع إذا مرت الولايات المتحدة الأميركية بتحولات أخلاقية وإذا أدرك الأميركيون ان فجأة ان الفلسطينيين بشر يتمتعون بحقوق الإنسان كافة وان القانون الدولي يجب ان يكون ملزما للجميع وليس للفقراء والضعاف والعرب فقط دون غيرهم. يجب لفت الانتباه هنا إلى ان دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل هو الذي أدى إلى استمرارها في احتلال الأراضي العربية ومنع التوصل إلى السلام. واقعيا، بعد السنوات الطويلة من المواقف المتناقضة، فان هذا التحول سيحدث في الغالب.

إذا لم يعد ممكنا الوصول إلى الأميركيين من خلال قلوبهم وعقولهم، فمن الممكن الوصول إليهم من خلال حافظات نقودهم، ذلك ان المال هو الدين الحقيقي في الولايات المتحدة. إذا ارتفعت أسعار النفط وسقطت الأسعار في أسواق الأسهم، فان الأميركيين سيسألون أنفسهم بالتأكيد عن السبب في السماح لإسرائيل بالاستمرار في تحدي القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وعن السبب في تأييد إسرائيل من طرف الولايات المتحدة وحدها دون غيرها على حساب المشاعر المعادية لأميركا في مختلف انحاء العالم وعلى حساب ارتفاع أسعار النفط.

تحت ضغوط مؤيديها ستدرك إسرائيل بأسرع مما يتخيل الكثيرون انه ليس هناك ادنى ضمانات لأمنها طالما استمرت في احتلال الأراضي العربية وان الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في فلسطين وسورية تماما مثلما في مصر والأردن ولبنان يصب في مصلحة إسرائيل. خلال انتظار نتائج الخطوات الهادفة إلى إثارة الرأي العام للتوصل إلى نتيجة في مصلحة جميع الأطراف، لن تتعرض الدول الإسلامية والعربية المنتجة للنفط إلى أذى أو أضرار. كل تخفيض نسبته 5 بالمائة في الإنتاج سيؤدي إلى زيادة في الأسعار تزيد على 5 بالمائة والى تخفيض معتدل ومنتظم في الأسعار متوازن سياسيا وممكن فنيا بدلا عن الحظر الكامل والمفاجئ. العائدات الزائدة للدول المنتجة يمكن اقتسامها بين الدول العربية الفقيرة والضعيفة التي ربما تتأثر سلبا بارتفاع الأسعار.

القادة العرب الذين بدأوا يشعرون الآن بازدياد الهوة بينهم وبين شعوبهم سيجلسون بثبات وقوة في مقاعد السلطة ويمكنهم رفع رأسهم مجددا بتقديمهم خطوات واثقة ومنسجمة ومثمرة في نهاية الأمر إلى شعوبهم. الفلسطينيون من جانبهم سيصبحون أقل تعرضا للمخاطر والموت بكرامة في شوارع فلسطين. إذا كانت هناك أفكار أفضل يجب ان تسمع، غير ان أولئك الذين يبدون اهتماما حقيقيا بالعدل والسلام في الشرق الأوسط يجب ألا يصدقوا ان لا بديل للتحديق بيأس في الأوضاع الراهنة. العالم العربي ليس عاجزا ألا إذا استمر قادته في الاعتقاد بأنه عاجز أو اختاروا له ان يكون كذلك.

* خبير في القانون الدولي وكاتب في الشؤون الفلسطينية