خضة في لندن

TT

في اميركا المسألة اقل تعقيدا، فالمعارضون من الاجانب الذين لا تتفق الحكومة في واشنطن مع توجهاتهم يمكن التقاطهم من بيوتهم وجامعاتهم وحبسهم، والاجانب يمكن ترحيلهم طبعا عبر المرور على قنوات المحاكم، ولا تتردد الحكومة في تسليم المطلوبين حتى لو كانت حياتهم معرضة للخطر في البلد الآخر. اما في بريطانيا فالقوانين اكثر تعقيدا، لهذا فاضت لندن وضواحيها باللاجئين من هاربين من اضطهاد سياسي الى انتهازيين الى ارهابيين الى مفكرين معارضين الى محتالين. تحولت بريطانيا الى مخيم كبير للمعارضات من انحاء العالم، والعالم العربي يأخذ حصة الأسد بينهم.

والسبب في التحول الكبير في موقف المؤسسة السياسية البريطانية ضد التنظيمات المعارضة ليس كله واردا من الضغوط المتعددة الجنسيات بل آت من الشعب البريطاني الذي صدمته اخبار اللاجئين والمعارضين التي تنشر فضائحها في الصحف الشعبية بصورة مستمرة. فمخلب ابو حمزة الحديدي، ودعوة بعضهم الى إلزام الملكة بالاسلام، وقصص الضرب التي دارت بين المصلين انفسهم في مساجد، لأسباب سياسية ومذهبية، ومناظر احتفالات عاشورا الدامية، وتدريب بعضهم على السلاح في المساجد، كلها جعلت الرأي العام البريطاني يتجه الى تخليه عن مبدأ مساندة الحركات السياسية المعارضة. وزاد من توتر الاوضاع تكاثر عدد اللاجئين الذين، هم بدورهم، تمتلئ الصحف بقصص سيئة عنهم، فعقد وضع المعارضين بصفتهم ايضا لاجئين يعتاشون على اموال المواطن البريطاني التي تقتطع من الضريبة.

وهناك اجماع على ان المعارضين النظيفين، الذين لا يمارسون ولا يساندون العنف السياسي، مثلهم مثل طلاب الهجرة النظيفين، اي الذين يلجأون بسبب القهر السياسي او الاجتماعي، صاروا ضحية للمعارضين واللاجئين الآخرين. الآن نشاهد مرحلة جديدة لم يعد فيها للمتطرفين من المعارضين السياسيين مكان، ولم يعد للحكومة البريطانية عذر في الابقاء عليهم ايضا. وسيكون النقاش المقبل: من هو المعارض الذي ينطبق عليه المنع وكيف يمكن تفسير ذلك.

انها ليست بالمهمة السهلة، كيف ستفرق بين النشط والمتعاطف؟ فهل الذي يفتح مكتبا يدافع فيه عن التنظيمات الممنوعة بالضرورة مرتكبا للعنف؟ وهل الذي سيلقي محاضرة عن احدى هذه الحركات المشطوبة ايضا محسوب عليها ومعرض للمحاكمة؟

وقد لا يحتاج ان نتساءل عن وضع المنتمين مباشرة للتنظيمات الممنوعة او الممولين لها ماديا، فهؤلاء على القائمة المطلوبة. السؤال المكمل: ماذا ستفعل السلطات البريطانية بالوضع الممنوع، فهناك آلاف من الايرانيين يمولون ويدعمون ويدافعون عن منظمة مجاهدي خلق مثلا، فماذا ستفعل بهؤلاء؟ والحكومة البريطانية نفسها صارت ملاحقة من قبل الحكومات الصديقة حتى تلاحق المعارضين. في السابق كانت ترفض ولها صولات في رد الحكومات التي طالبتها باسكات معارضيها، عرفت بريطانيا بأنها اقل تعاونا من دول أخرى مثل فرنسا واميركا، وواجهت اشكالات كبيرة، فهي من جهة كانت تسمح للمعارضين متمترسة وراء القانون ومن جهة أخرى كانت تلاحق بلا هوادة الحكومات التي تأوي معارضيها، وتحديدا المنتمين لتنظيم الثوار الايرلنديين.