الساحة والجريدة

TT

العام 1952 كانت «النهار» صحيفة لبنان المعارضة للتجديد، وقد ساهمت في اسقاط الرئيس بشارة الخوري. وفي العام 1958 كانت صحيفة «القوة الثالثة» وساهمت في توحيد اللبنانيين. وفي العام 1969 كانت صحيفة المعارضة للمكتب الثاني والمخابرات، فساهمت في ايصال المعارضة الى الحكم. ومن العام 1975 الى 1990 كانت جريدة العقل والأكثرية الصامتة ولذلك ظلت المؤسسة السياسية والإعلامية الوحيدة التي لم تنتقل من مكان الى مكان.

منذ سنوات قليلة عادت «النهار» صحيفة المعارضة من جديد. وعندما بدأت المعارضة ضد الرئيس اميل لحود بعد انتخابه، قلت للاستاذ غسان تويني، ان في الأمر غبنا، وان عليه ان يتعرف الى الرجل ويصغي اليه قبل ان يؤخذ ببعض المظاهر. وقامت بين الرجلين صداقة قصيرة لم تطل. فالأول من مدرسة عسكرية قضى فيها معظم حياته، والثاني من مدرسة ليبرالية قضى فيها كل سنواته. واشتد الخلاف ثم تصاعد بعد التمديد للرئيس لحود. وتحولت «النهار» من المعارضة الهادئة الى المعارضة المطلقة. وشن مديرها العام، الأستاذ جبران تويني، حملة عنيفة على التمديد. وانضم هو نفسه الى جبهة المعارضة في «قرنة شهوان». وحاول الرئيس رفيق الحريري ان يلعب دور المهدئ. فهو كان يملك حوالي 37 % من أسهم «النهار». وكان يخشى ان يقال انه يحرّض من وراء الستار على الموقف من سورية ومن الرئيس اميل لحود. وفي النهاية تم الاتفاق على ان يبيع حصته الى جبران تويني، تاركاً للجريدة ان تبحث عن مساهمين جدد.

واشترى الوليد بن طلال 10% من «النهار». وكانت المفارقة انه على خصومة شديدة مع الرئيس الحريري، وبالتالي على ودّ شديد مع الرئيس اميل لحود. غير ان «النهار» عاملت حصة الوليد بن طلال كما عاملت حصة الحريري: اي لا تدخل في شؤون التحرير ولا في سياسة الجريدة. وفي الوقت نفسه تركت للكتَّاب والمحررين السياسيين، حرياتهم. وبقي كل منهم يبدي ميوله وعواطفه. وظلت «النهار» تلعب دور المنبر بالنسبة الى اللبنانيين الذين يعرفونها منذ سبعة عقود، انتقلت خلالها من الأب الى الابن الى الحفيد. والآن تتدرب فيها ابنة الحفيد.

بعد استشهاد رفيق الحريري لم تعد «النهار» مجرد صحيفة كبرى تنطق باسم المعارضة بل اصبحت ساحة اخرى امتداداً لساحة الشهداء. ومن الصدف من مبنى «النهار» الجديد الذي انتقلت اليه قبل عام يطل مباشرة على ضريح الرئيس الحريري. وعندما كانت «النهار» في الحمراء، كان فريق من المتظاهرين يهتف معها وفريق آخر يهتف ضدها. والآن جميع المظاهرات التي جرت في ساحة الشهداء هتفت معها، في حين هتفت تظاهرات النبطية وغيرها ضد «النهار» ومديرها العام. ورفعت في النبطية يافطات على طريقة اللغة الثورية الليبية. وسمي جبران تويني تسميات كثيرة، وقيل في «النهار» انها «بوق الاستعمار» لزوم السجع. وقد نشرت «النهار» صور اليافطات وشروحها. لكن ما تسمح به «النهار» لنفسها لا نستطيع نقله هنا. لقد تعلمت ذلك عندما كنت أحاول نقل بعض اليافطات الثورية في طرابلس قبل قيام الصداقة الأميركية ـ الليبية، وكان مراقب الأدبيات في الجريدة يحذف بعض كلام اليافطة. واعتقد ان الأمر نفسه ينطبق على مظاهرة النبطية. إنه كلام لا يليق بالمدينة. ولا بأهلها.