يا عيني على المسرح العربي

TT

قال اجدادنا من طلب التفسير كفر ومن طلب الكيمياء افتقر. آن لنا ان نطور القول بما يساير العصر الحديث فنقول، ومن اشتغل في المسرح انتحر. لكل الفرق المسرحية في البلدان العربية حكاياتها المأساوية. انها هي بحد ذاتها تراجيديا كوميدية، او كوميديا تراجيدية، يصدق ذلك بصورة خاصة عندما يكون المسرح ناشئاً كما كان الحال عند تأسيس المملكة العراقية في العشرينات.

لم تكن هناك اية فرقة مسرحية فاقترحوا على الحكومة بناء مسرح وطني. اجاب الوزير المسؤول قائلا: «نحن نبني مدارس ومستشفيات والوطنيون يتهموننا بالتبذير وببناء قواعد عسكرية ضد السوفييت، تريدون منا الآن نبني شانو؟».

الشانو هو، المكان الذي ترقص عليه الرقاصات.

في غياب اية قاعة مناسبة، دأبت الفرق على تقديم اعمالها في دور السينما والملاهي. كانت هناك فرقة الزبانية التي ترأسها ناجي الراوي. استولى عليه السرور والحماس عندما تسلم دعوة من صاحب سينما رويال في شارع الرشيد للتمثيل هناك. حدث ان احترق جهاز العرض، ولم يكن هناك من يعرف كيف يصلحه فتعطلت السينما. وعندئذ فكر صاحبها بايجارها الى فرقة تمثيلية وتحويل السينما الى مسرح.

اتفقا على ايجار السينما بثلاثين دينارا في الاسبوع. تم ذلك وبدأ الممثلون بالتمرين لمسرحية لشكسبير. بالطبع لم تكن هناك وسائل للاعلام والاعلان. الشيء الوحيد الذي كانوا يفعلونه هو ان يستأجروا رجلا يقف امام القاعة ويضرب على الطبل ويتوسل بالمارة ان يدخلوا لمشاهدة اعظم تراجيديا من تأليف الخواجة الانكليزي شكسبير، واذا ما تعجبكم نرجع لكم فلوسكم.

بعد كثير من التطبيل والتوسل استطاعوا بيع سبع بطاقات، خمس منها نقدا واثنتان بالاقساط على نهاية الشهر. لاحظ الحاج ناجي ان سبع بطاقات لا تسد حتى أجرة القاعة، فأمر بتأجير العرض من السابعة حتى الثامنة، عسى ان يأتي زبائن آخرون. وهرع الى صاحب الطبل يتوسل به ان يكثر من التطبيل والصياح، هلموا لأعظم تراجيديا من الخواجة شيخ زبير.. الخ.

حلت الساعة الثامنة ولم يحضر احد. اخروا العرض حتى التاسعة، املا في ان بعض السكارى سيخرجون من الحانات ويشترون بعض التذاكر وينامون في القاعة. وعندها بدأ الحاضرون بالاستياء والاعتراض وراحوا يطالبون بفلوسهم. خرج احد الممثلين على المسرح ليعتذر لهم عن التأخير وقرب البدء بالمسرحية، ولكن المسرحية لم تبدأ وعاد الحاضرون الى الضجيج والضرب على الكراسي. خرج اليهم ناجي الراوي في ثياب ماكبث وسيفه بيده وخاطبهم قائلا: «اسمعوا هنا، انتو سبعة واحنا الممثلين عشرون واحدا، تسكتون وتصيرون اوادم وإلا ننزل عليكم بسيوفنا ونكسر رؤوسكم؟!».