سوريا في مواجهة الأحداث

TT

في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها سوريا، نتمنى أن تكون عين المسؤولين السوريين على دمشق لا على بيروت. ليس لسوريا مصلحة في إرضاء الموالاة وإغضاب المعارضة اللبنانية، فالذين خرجوا في مظاهرات الموالاة ومظاهرات المعارضة هم أبناء الشعب اللبناني، الذين كانوا وسيظلون جيرانا لسوريا، وستظل دمشق بحاجة إلى إقامة علاقة متكافئة معهم جميعا.

ما نقله السيد لارسن عن الرئيس بشار الأسد حول الانسحاب السوري للجيش والمخابرات من لبنان، وما قاله مساعد وزير الخارجية السوري وليد المعلم من رغبة دمشق في فتح سفارة سورية في بيروت، هو كله كلام عقلي، ويصب في مصلحة سوريا، وسيكون من الخطأ، بل من الخطيئة أن يصغي احد في دمشق إلى الحناجر المرتفعة من اللبنانيين المدافعين عن سوريا بطريقة تسيء إليها. ومن مصلحة دمشق أن يرفع اللبنانيون في مظاهراتهم صورة رئيس لبناني، يجمع عليه كل اللبنانيين بكافة تناقضاتهم، وهو أفضل بكثير من أن يحمل بعض اللبنانيين صورة الرئيس بشار الأسد في بيروت.

لو حدث مكروه لسوريا لا سمح الله، فلن تحميها الحناجر المرتفعة في بيروت، ولن ينفعها تحالف هش مع طهران. الذي ينفع سوريا هو أن تتحرك بحكمة على ضوء مصالحها الوطنية، من أجل تحسين علاقاتها بأطراف المجتمع الدولي، بالسير في طريقة الإصلاح الاقتصادي والسياسي، بخلق جبهة سورية داخلية متماسكة، بالعمل الجدي للخروج من فكرة الحزب الواحد ولعبة الجبهة الوطنية، إلى فضاء التنافس السياسي وحرية الرأي والتعبير، بالاستفادة من طاقات سورية معطلة كثيرة، واستثمارات سورية هائلة خارج سوريا، تبحث عن وطن تستثمر فيه أموالها، بالعمل لخلق جبهة من الأصدقاء الإقليميين والدوليين للمساعدة في تحرير الأرض السورية المحتلة، التي تحتاج إلى معركة سياسية هائلة وكبيرة.

لن يكون أحد أكثر سورية من السوريين، ولن يستطيع أحد مساعدة سوريا إذا لم تساعد نفسها، والأمر يتطلب الخروج من حفلة الشعارات والمزايدات والانفعالات، إلى دنيا فهم التغيرات الهائلة التي حدثت في الدنيا، وخاصة في الشرق الأوسط، وفي سوريا رجال ونساء يعرفون مصلحتهم، ويعرفون أنه ما حك جلدك مثل ظفرك.