من يملك الشارع اللبناني؟

TT

مع تدفق مئات الآلاف الى بيروت امس من مختلف المناطق اللبنانية في حافلات وسيرا على الأقدام، وحتى بالزوارق للمشاركة في مظاهرة المعارضة اللبنانية، وذلك بعد يوم من مظاهرة اخرى ضمت ايضا مئات الآلاف في النبطية تظاهروا ضد القرار 1559 ووفاء لسورية، اصبح من الواضح ان هناك معركة تدور على الساحة السياسية اللبنانية لإظهار التيار الذي يقف الشارع اللبناني بالفعل معه.

فعلى جانب هناك ما يسمى قوى الموالاة، والتي يشكل حزب الله اللبناني عمودها الفقري، والذي وجد نفسه بعد زلزال اغتيال الحريري والغضبة الجماهيرية التي حدثت بعدها، في موقف دفاعي اضطر فيه ولو متأخرا الى حشد جماهيره لإثبات انه لا يزال يتمتع بشعبية عريضة في الشارع، ورفع جمهوره شعارات مؤيدة للدور السوري في لبنان، ورسالة الحزب في ذلك انه طرف صعب في المعادلة اللبنانية لا يمكن تجاهله.

وعلى الجانب الآخر، هناك قوى المعارضة التي أصبحت في موقف هجومي قوي تمكنت فيه من تجاوز المعادلات الطائفية السابقة في لبنان وحشدت قطاعات كبيرة من الشارع المنزعج مما حدث ومن تراكمات سنوات سابقة وراءها لتطالب بتحقيق شفاف يكشف الحقيقة في الجريمة ومحاسبة المقصرين، وفي الوقت ذاته إنهاء الوجود السوري في لبنان.

وأي مراقب محايد من الخارج يتابع تطورات الساحة اللبنانية وصراع المعارضة والموالاة الدائر منذ جريمة اغتيال الحريري، وحتى قبلها، لابد وهو يرى الحشد الهائل الذي جمعته المعارضة امس، والذي جاء حتى من مناطق تابعة لنفوذ حزب الله ان يسجل اكثر من نقطة على حساب الموالاة وبالتحديد حزب الله، فعندما تكون في المعارضة وتستطيع حشد مئات الألوف يكون التقدير مختلفا عن حشد مئات الالوف ايضا، ولكن تنظمه قوى في السلطة او متحالفة معها.

ومع مظاهرة المعارضة في بيروت امس، والتي جاءت كاختبار حقيقي لقوة المعارضة، يمكن القول ان حزب الله خسر في معركة إثبات الوجود في الشارع عدة نقاط لصالح المعارضة التي كانت اكثر تمثيلا لقطاعات الشارع اللبناني وأكثر عفوية.

في الوقت ذاته، فان أي مراقب منصف لا يمكن إلا ان يلاحظ ظاهرة جديدة صحية في الشارع اللبناني وبين قواه السياسية تتمثل في هذا الطابع السلمي الديمقراطي الذي أخذته معركة إثبات الوجود في الشارع، وحرص الجانبين على تفادي أي أعمال عنف يمكن ان تجر البلاد الى الماضي الدامي.

هذه الظاهرة تدعو للتفاؤل بان لبنان شفي تماما من ايام الحرب الأهلية، وانه خرج تماما من فترة النقاهة، ويستطيع ان يؤسس ديمقراطية على أسس ثابتة تعيد دوره السابق كمركز ازدهار اقتصادي وثقافي.

ومع إعلان سورية عزمها الانسحاب تماما من لبنان وبدء خطوات سريعة لذلك، فان المعارضة وما يطلق عليها قوى الموالاة، يستطيعان ان يجدا ارضية مشتركة لمستقبل لبنان لا تتمحور حول الوجود السوري، ولكن على ما يريده اللبنانيون للبنان.