استروا علينا

TT

عندما أحتفل الدفاع المدني منذ شهر تقريبا بيومه السنوي، ردت عليه الصحف لسوء حظه، أن يومه الوطني، يتوافق مع حادثة حريق مدرسة مكة الشهير منذ عامين تقريبا، والذي زلزل بلادنا بعد أن راح ضحيته خمس عشرة من البنات الصغيرات، اللواتي تعثر إنقاذ حياتهن بسبب حكايات، حتى اليوم لم يعرف الناس صدقها من كذبها، ونسيت اللجان المسؤولة عن متابعة خيوط الحادث أمر النتائج، واكتفى كل طرف بنفي التهمة عن نفسه بالقول «والله ما هوب أنا!». فهناك من قال إن السبب هو أن المدرسة، كما معظم المدارس الحكومية، خالية من أنظمة الأمن والسلامة، وهناك من قال إن حراس الأخلاق كانوا يحرسون الباب ليعطلوا خروج الصغيرات اللواتي هرعن للباب خوفا من الموت، من دون عباءات حفاظا على سترهن، والبعض قال إن الدفاع المدني، وقف حائرا بين مطلبين، الستر والنار، وبقيت الحكاية من دون نهاية.

وجاءت حادثة نفق السويدي الشهيرة أيضا بعد الاحتفال بيوم الدفاع المدني، لتكشف واحدة من حقائق الإهمال المستور، وتشغلنا بقصة الستر مرة ثانية، لكن الحقيقة التي عيت عن الستر، هي أن طاقم الدفاع المدني، الذي يعاني من سوء فهم نداءات الاستغاثة، هرع لحادثة غرق حافلة طالبات جامعة الإمام سعود في نفق السويدي، بسيارة ماء، من دون أن يفطن أن المشكلة هنا هي الماء، وصرح للصحف، متفرجون وشباب هبوا بحماس، لإنقاذ البنات، أن جنود الدفاع المدني، ظلوا بعيدين يتفرجون، مأخوذين على ما يبدو، ومعجبين بالشباب، فأحبوا أن تترك لهم فرصة تعلم دروس الإنقاذ مجانا.

بعد الحادث، شكر البنات «الضحايا» عبر صحيفة «الرياض»، (النشامى) من الشباب السعودي، المنقذ، ثم وجهن نداء عاجلا للشباب السعودي، الذي فتن بتصوير الأحداث المهمة في حياته، وصورهن: «الله يرحم والديكم استروا علينا ولا تنشروا صورنا ونحن نغرق!».

حكاية تصوير النساء في الشوارع واختراق خصوصيات عباد الله، ليست موضوعي اليوم، لأن ما يشغلني اليوم هو فهم حكاية الستر التي يؤكد بعض الناس على معناها المادي وليس الأخلاقي، وبسبب هذا الفهم للستر، فإن الستر يتقدم على حياة الناس، ليخفي حقائق الموت والإهمال، وعدم المسؤولية، ويصبح الستر المادي على النساء أهم من حياتهن، فقد أكد لي أحد القراء في رد له: «أن على المرأة السعودية أن تسعد لأن قدرها في السعودية أن تموت محترقة أفضل من حظ المرأة الغربية التي تتعرض حياتها للاغتصاب!!»، يعني على المرأة في العالم أن تختار على طريقة نزار قباني «اني خيرتك فاختاري» بين قدرين إما الحريق أو الاغتصاب، لا ثالث لهما!

سؤالي الأخير هو: من الذي يجب أن يرفع نداء «استروا علينا» البنات أم الدفاع المدني؟!

[email protected]