واشنطن تحرك حاملتي طائرات إلى المنطقة

TT

بعدما هدد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بأنه سيقطع امدادات نفطه الى الولايات المتحدة، وصل الى كاراكاس الرئيس الايراني محمد خاتمي ليتلقى دعماً من شافيز بضرورة ان تواصل ايران برنامجها النووي.

في هذه الأثناء، كان المسؤولون الإيرانيون يهددون بقطع الحوار مع الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا والمانيا وبريطانيا) لانها طلبت التزاما ايرانيا بوقف نهائي لتخصيب اليورانيوم، وقال علاء الدين بورو جردي رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي في مجلس النواب الإيراني، انه اذا استمر الاوروبيون في لغتهم الجديدة مع ايران فان المجلس لن يوافق على البروتوكول الاضافي المتعلق باتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية. وكانت الحكومة الإيرانية قد قبلت في تشرين الأول (اكتوبر) 2003 هذا البروتوكول الذي يسمح للمفتشين الدوليين بزيارة المنشآت النووية من دون أي عراقيل. وقال سيروس ناصري، العضو في فريق المفاوضات الايرانية: «اننا لسنا خائفين من نقل المسألة الى مجلس الأمن، فهذا يتيح لنا الخروج من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية ومغادرة طاولة المفاوضات».

بعد هذه التطورات وافقت واشنطن على دعم طلب ايران الانضمام الى منظمة التجارية العالمية، اذا ما قبلت التخلي الكامل والدائم عن برنامج تخصيب اليورانيوم، مع معرفتها ان ايران سترفض، وقد رفضت فعلا. لكن سبقت الخطوة الاميركية موافقة الدول الاوروبية الثلاث على احالة المسألة الى مجلس الامن لاتخاذ اجراءات مقاطعة، او ربما عمل عسكري ضد ايران، اذا ما رفضت طهران التخلي عن برنامج التخصيب، وكان هذا باختصار اعترافا من الدول الاوروبية بأن المفاوضات مع ايران فشلت وان احتمال ضربة عسكرية اميركية صار ممهدا. وحسب مراقب غربي، فان كل المفاوضات التي جرت حول البرنامج النووي الايراني كانت لها زاوية محددة. اذ بالنسبة الى ايران والولايات المتحدة، فان المفاوضات كانت بشكل غير مباشر نقاشاً حول دور ايران المستقبلي في العراق، حيث تريد إيران تثبيت سيطرتها هناك، فالعراق يضم اغلبية شيعية، ثم انها تريد ضمان جبهتها الغربية، والمد والجزر في العلاقات الاميركية ـ الإيرانية انعكس مداً وجزراً في المفاوضات الاوروبية ـ الإيرانية.

وما آلت اليه مفاوضات الجولة الاخيرة في جنيف بين ايران والاوروبيين، يؤكد ان واشنطن قررت انها لم تعد في حاجة إلى طهران، وفي محاولة لإجبار واشنطن على العودة غير المباشرة الى طاولة المفاوضات، اعلنت طهران في الثامن من الشهر الجاري، انه مضى عليها 18 سنة وهي تخبئ برنامجها النووي عن المفتشين الدوليين.. هذا أحرج الدول الاوروبية التي شعرت ان اهداف ايران تتجاوز مكانة وهيبة اوروبا في العالم، فكان ان حزمت موقفها وأصرت على وقف كامل لبرنامج تخصيب اليورانيوم، والاتفاق مع واشنطن.

لقد دخل عامل آخر اثر على تفكير واشنطن، اذ خلال الضغط الاميركي المستمر على سوريا، شعرت ايران ان التركيز الاميركي انزاح عنها، فقال حسين موسويان الناطق باسم الفريق النووي الايراني، ان الملاحظ تغيير في الموقف الاميركي وان واشنطن خلال شهر او شهرين ستعطي الاوروبيين الضوء الاخضر لتقديم تنازلات لطهران كجزء من صفقة تتعلق بالبرنامج النووي، بينما قال ديبلوماسي اوروبي، انه لا يستبعد تأييداً اميركيا لمبادرة اوروبية باعطاء ضمانات أمنية لايران، والمساعدة في تحديث اسطولها الجوي المدني وتسهيل دخولها الى منظمة التجارة العالمية.

العارفون رأوا في هذا الجزرة لايران لوقف برنامجها النووي، لكن واشنطن كانت تفكر بطريقة اخرى، فالضغط على سوريا لمغادرة لبنان، يتضمن ايضا اضعاف ايران، لا سيما ان سوريا ولبنان (حزب الله والحرس الثوري الايراني في الجنوب والبقاع) كانا وسيلتين مهمتين لسياسة ايران الخارجية في الشرق الأوسط. ولأنه ليس معروفا مصير النظام السوري بعد ان تضعف قبضته على لبنان، يبقى واضحا ان ايران لم يعد في استطاعتها الاعتماد على سوريا أو على لبنان لتنفيذ برنامجها في المنطقة، ورغم ان المسؤولين الايرانيين يراقبون وسيراقبون التطورات السورية في لبنان عن كثب، إلا انهم يسعون الى التعويض عبر تشكيل حكومة موالية لايران في بغداد، لكن العراق لن يكون في وضع يتيح له الحلول محل سوريا ولبنان، لهذا فان فقدان النفوذ الايراني في هاتين الدولتين يشكل صدمة كبيرة لطهران. وتعتقد واشنطن انه من دون حليف قوي لها على حدودها الغربية (العراق)، فان ايران لن تستطيع مواجهة المصالح الاميركية الجيو ـ استراتيجية في المنطقة، خصوصا في عالم ما بعد 11 سبتمبر.

من المؤكد ان ايران لن تتخلى عن ورقتها النووية بسهولة، فالقضية بالنسبة إليها هي العراق وبقاء النظام في طهران، وكي تحافظ على موقف مساومة قوي، كان لا بد لها ان تبقي واشنطن في حالة توتر، لهذا جاء اعترافها بان عمر برنامجها النووي حوالي العشرين عاما. هذا ما دفع بالدول الاوروبية الى الطلب من واشنطن المشاركة ـ غير المباشرة ـ في المفاوضات مع ايران، فعرضت الدعم التجاري فقط، حتى اذا ما رفضت طهران وفشلت المفاوضات، لم يبق سوى اللجوء إلى مجلس الأمن.

الآن دخلت المسألة مرحلة حرجة، وهي ستصل إلى مجلس الأمن. عندها ستصبح كل الاحتمالات قائمة. من المتوقع ان تمارس الصين وروسيا حق النقض أو تتغيبان، كما ان الاوروبيين لا يريدون ان تتصرف الولايات المتحدة، كما تشاء في دولة شرق اوسطية اخرى، خصوصا دولة مثل ايران المليئة بالثروات، لكن مجرد وصول المسألة الايرانية النووية الى مجلس الأمن، امر كاف لواشنطن، التي عينت في السابع من الشهر الجاري احد اقوى صقورها واكثر المتحاملين على فعالية ودور الامم المتحدة، وهو جون بولتون، وحسب المراقب الغربي، فان الطرح الاميركي، عبر بولتون سيكون: اذا عجز مجلس الأمن عن اتخاذ خطوات لتصحيح مثل هذا التحدي للمعايير الدولية، فان ذلك يعني ان دور الامم المتحدة انتهى وهذا سيدفع واشنطن إلى تحقيق هدفين في السياسة الخارجية، الأول: إما ان تجعل الامم المتحدة ذراعاً للسياسة الاميركية، او ان تصبح واشنطن متحررة من التعاطي مع الامم المتحدة، والبيت الابيض لا يرفض ايا من الامرين، والثاني: ستمهد الامم المتحدة الطريق جزئيا امام واشنطن للتعاطي مع طهران بما تراه مناسبا، وقد يشمل هذا عملاً عسكرياً يتضمن ضرب المنشآت النووية الاساسية، مثل مجمع المياه الثقيلة في اراك، والمنشأة الاساسية لتخصيب اليورانيوم في ناثانز، ومفاعل بوشهر.

ستمر اسابيع قبل ان يوافق الاوروبيون على عرض المسألة على مجلس الأمن، غير ان اميركا تستمر في مواصلة الضغوط، اذ تقول مصادر عسكرية ان حاملتي الطائرات «يو. اس. اس ثيودور روزفلت» و«يو. اس. اس كارل فنسون»، تعبران الآن; الأولى المحيط الاطلسي والثانية المحيط الهندي، باتجاه الشرق الأوسط للانضمام الى حاملة الطائرات «يو. اس. اس هاري اس ترومان» الموجودة منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في مياه الخليج لدعم «عملية الحرية العراقية». وفي تفسير لهذه التحركات يقول المراقب الغربي: اذا صحت هذه المعلومات، فان الولايات المتحدة تكون بصدد توجيه رسالة قوية الى قادة سوريا وايران، بان عليهم التفكير عميقا. ويضيف محدثي: من المؤكد بالتالي ان هؤلاء القادة، الذين يتحدون الولايات المتحدة في لبنان والبرنامج النووي، سيدركون أبعاد الرسالة هذه.

وحسب التقارير العسكرية، فان لحاملة الطائرات «روزفلت» تاريخا في البحر المتوسط، إذ شاركت في عمليات حرب البلقان اخيرا. اما حاملة الطائرات «يو. اس. اس كارل فنسون» التي تعبر حالياً المحيط الهندي، فقد كان متوقعا ان تعود إلى غرب المحيط الهادئ، لكنها تحولت غرباً واتجهت الى المحيط الهندي. ويذكر انه منذ شهر شباط (فبراير) 2004 كان للولايات المتحدة ثلاث حاملات طائرات في مياه الشرق الأوسط. وفوق كل منها 85 طائرة مقاتلة من مختلف الانواع. ومع هذا العدد في المياه الشرق اوسطية، سيكون لدى واشنطن العديد من الخيارات. ورغم ان الضربة العسكرية على اي دولة شرق اوسطية، غير واردة الآن، إلا ان هذا الوجود العسكري الضخم يوفر للولايات المتحدة الزخم الذي تريده للتأثير على الاحداث.