رئيس يغني خارج السرب.. فما العمل؟

TT

يبدو أن الإحساس بالحصار بات عميقا لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مما دفعه إلى انتهاج خط أكثر تشددا ضد دول الجوار والمعارضين على حد سواء. ويمكن القول إن الخطط الغربية لجعل مسلك بوتين أكثر اعتدالا ومرونة انتهت إلى الفشل، مما يستدعي إعادة النظر فيها وتقييمها. فالهزيمة السياسية الساحقة لبوتين في انتخابات أوكرانيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لم تقنعه بالعدول عن نهجه، كما لم تنجح الجولة الودية لدبلوماسية التشدد والمرونة مع الرئيس الأميركي جورج بوش في سلوفاكيا الشهر الماضي في إقناعه بتغيير هذا النهج.

وتعتبر لهجة التحدي لدى بوتين في المؤتمر الصحافي المشترك، عقب قمته مع بوش في براتسلافا، دليلا على إصراره على فعل ما يروق له، بصرف النظر عن النتائج المترتبة على ذلك، وجاء التأكيد على هذا التوجه في قتل قوات الأمن الروسية زعيم المتمردين الشيشان أصلان مسخدوف يوم الثلاثاء. في هذا السياق علق دبلوماسي من إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق قائلا إن هذه «رسالة إلى المنطقة بكاملها وربما إلى العالم بأن بوتين لن يسعى إلى التوصل إلى أي تسوية عن طريق المفاوضات للنزاع مع الشيشان مستبعدا أي خيار آخر بخلاف الحل العسكري».

القوات الروسية آثرت قتل مسخدوف المحاصر بقنبلة، بدلا عن إلقاء القبض عليه. عملية قتل مسخدوف، التي جاءت بعد بضعة أسابيع فقط من لقاء بوتين مع الرئيس بوش، تعتبر عقبة ومشكلة علاقات عامة بالنسبة لواشنطن، فهي تعوق بالتأكيد سعي إدارة بوش الحثيث من خلف الكواليس لدفع بوتين نحو السعي إلى حل سياسي لمشكلة الشيشان، وهي النتيجة التي يرى كثير من المسؤولين الأميركيين أن مسخدوف ربما لعب فيها دورا رئيسيا. فمسخدوف، الذي ظل زعيما للحكومة السرية الانفصالية في الشيشان منذ عام 1997، يطرح نفسه كمفاوض يرفض الأعمال الإرهابية البشعة لزعيم الحرب شامل باساييف، إلا أن الجانب الروسي يتهم مسخدوف بأنه لا يعدو أن يكون واجهة لباساييف وحلفائه في شبكة «القاعدة» الإرهابية. ومن هنا يضع مقتل مسخدوف نهاية للجدل الذي ظل دائرا حول الأغراض العملية في ما يتعلق بالنزاع في الشيشان، فالمعارضون الروس والمتمردون الشيشان يتوقعون أن يصبح التمرد من الآن فصاعدا قتالا لا بد من ايصاله إلى نهايته التي لن تخلو من الأعمال الإرهابية الوحشية.

ما يمكن قوله هنا هو أن حاجة بوش إلى مساعدة بوتين في الحرب العالمية ضد الإرهاب لم تترك أمامه مجالا للضغط على روسيا في ما يتعلق بالمسألة الشيشانية، إلا أن بوش يعتبر أكثر قدرة على ضبط النفس مقارنة بالرئيس الأسبق بيل كلينتون في مساندة موسكو في المسألة الشيشانية، كما أن بوش سمح لمساعديه بالإبقاء على خطوط الاتصال مفتوحة مع معسكر مسخدوف، فيما يبدو اهتماما كبيرا قبل لقاء براتسلافا في فبراير (شباط) الماضي بتقييم وزارة الخارجية الأميركية الذي اتسم بالتشكيك إزاء مواقف بوتين بصورة عامة، والسبب أن الأمر لا يتعلق فقط بالشيشان، إذا قلنا إن بوتين شن مؤخرا هجوما عنيفا على «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا»، التي تأسست عام 1975 لمراقبة الأمن وحقوق الإنسان والديمقراطية وقضايا أخرى. قال بوتين في معرض حديثه، طبقا لرواية مسؤول أوروبي، إن حلف «الناتو» منظمة جادة ولا تسبب أي مشاكل لروسيا، فيما تتدخل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مناطق نفوذ موسكو السابقة.

هذه البارانويا قادت بوتين إلى محاولة وقف تمويل المنظمة، لذا يجب أن يشكل الغرب جبهة موحدة ضد هذا التوجه المدمر الذي ينتهجه بوتين، وفي الذهن الاعتقاد بأن المستشار الألماني غيرهارد شرودر أفضل من يمكن أن يتعامل مع بوتين في ما يتعلق بتوضيح الحدود والخطوط الحمراء للسياسات، فقد طمأن شرودر الرئيس الروسي في ديسمبر الماضي بأن الوساطة الأوروبية في أوكرانيا ليست موجهة ضد روسيا ولا ينبغي أن تتم معارضتها، إلا ان شرودر في حاجة إلى تشجيع قوي من جانب واشنطن ولندن وباريس لحمله على انتهاج خط أكثر تشددا وصرامة مع بوتين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس بوش طرح قبل وقت قصير من توجهه إلى براتسلافا سؤالين حاسمين على الزعماء الأجانب، رغم أن توقيتهما كان متأخرا بعض الشيء، وهما: هل كنت واثقا أكثر مما يجب في لقائي الأول مع بوتين؟ وهل علقت عليه آمالا أكثر مما يجب؟

طرح هذين السؤالين على وجه التحديد يعني ضرورة الإجابة عليهما على نحو صحيح. إذا لم يغير بوتين نهجه، يجب على بوش وشركائه أن يغيروا نهجهم.

* مجموعة كتاب «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»