معجزة في القاهرة

TT

أخيرا، وبعد طول انتظار وعشرات الرحلات منذ زمن المرحوم الرئيس ياسر عرفات، اتفق قادة الحرب الفلسطينيون في القاهرة على بداية تاريخ جديد، مبني على اتفاق يمنح السلطة الفلسطينية ما تريده، هدنة من صواريخ القسام وانتحاريي حماس والجهاد، لقاء التزامها بثوابت القضية من استرداد الارض ووقف الاستيطان وإطلاق سراح الموقوفين.

بل وسار شركاء القاهرة خطوة أبعد مما كنا نتطلع اليه نحو شراكة في مؤسسة الحكم نفسه. تضمن الاتفاق إعلانا عن توسيع دائرة منظمة التحرير الفلسطينية، لتستوعب كل التنظيمات والقوى والفصائل المستقلة، ووفق أسس يتم التراضي عنها. وشكلوا للفكرة آلية بلجنة تتولى تحديد أسس دخول الشركاء الجدد. أي يمكن ان نقول انه تم توسيع منظمة التحرير التي هي الحزب الحاكم، او نقول انها نهاية التشرذم الفصائلي، وإلغاء غير مباشر لحماس والجهاد الاسلامي، أكبر التنظيمات خارج فتح سطوة ونشاطا وشعبية.

ولو نجح الفلسطينيون في تحقيق الخطوتين; وقف التمرد على أوامر السلطة التي تمنع إطلاق النار، والاندماج في حزب منظمة التحرير، فاننا سنشهد بالفعل تاريخا جديدا للحركة الفلسطينية في شكلها ومستقبلها، وبالتالي لنا ان نستبشر بسلام ودولةٍ فلسطينية تقام بشروط أفضل. فالسلطة الفلسطينية لن تستطيع ان تربح كثيرا في المفاوضات المقبلة مع الاسرائيليين، طالما ان هناك قوى تنافسها، وتفسد عليها، وتشق عصا الطاعة عليها، وترفع مشروعا مناقضا لما تطرحه. أما بدخول القوى والفصائل، وتحديدا حماس والجهاد، فانها ستملك قوة كبيرة على الطاولة عند التفاوض، في الوصول الى اقامة دولة على كل اراضيها، وبحقوق افضل لمواطنيها، وستجد دعما دوليا عارما لها إن ظهرت فريقا واحدا.

ويجب ألا يخدرنا اتفاق القاهرة مصدقين بانه وضع نهاية للصراع، وحدد مركزية القرار الفلسطيني، فلجم القوى الفلسطينية المعارضة لن يكون امرا سهلا، خاصة ان الجناح العسكري في اسرائيل الرافض دائما لسلام خارج شروطه، سيفعل ما يكفي لإثارة المتحفزين الفلسطينيين على اطلاق الصواريخ وإرسال السيارات المفخخة. وأمامنا فترة هدنة قلقة، تمتد تسعة اشهر، ستمثل امتحانا لاتفاق القاهرة. خلال الهدنة، او ما سمي بالتهدئة، سنرى إن كانت كلمة محمود عباس هي الاخيرة، وان السلطة الفلسطينية هي مركز القرار، وإن الاسرائيليين جادون في نقل الصلاحيات ورفع الحواجز وإطلاق سراح المعتقلين، وهذه مهمة كبيرة تواجه سوء الظن وانعدام الثقة المتبادلة، وتفاصيل خلافية كثيرة ومعقدة لها تفسيرات أمنية وحقوقية.

اتفاق القاهرة وعدنا بما يفوق تصوراتنا المتواضعة، ومن يدري؟ ربما يفعلها الفلسطينيون، ويتوحدون تحت سلطة واحدة، تمنحهم جميعا فرصة أكبر في سلام أكثر عدلا. إن الطريق مليئة بالكثير من الألغام والحواجز والمطالب غير المعقولة، ومع هذا فإن تركيز النظر على الهدف الأخير; إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، يستحق الانتظار وتقديم تنازلات كثيرة.

[email protected]