شكرا.. أيها الأكراد

TT

إذا أراد العرب في العراق، وكذلك التركمان والكلدان والآشوريون، أن يكونوا منصفين مع شركائهم في الوطن، الأكراد، يتعين عليهم أن يشكروا هؤلاء ثلاث مرات في اليوم.

على الدوام ربط الأكراد في العراق تحقيق مطالبهم واقرار حقوقهم القومية، السياسية والثقافية والادارية، بالقضية الوطنية العراقية، وارتبطت حركتهم السياسية أوثق ارتباط بالحركة الوطنية العراقية، ولم يحصل أن وضعت نفسها في موضع التعارض والتناقض والصراع مع الحركة الوطنية العراقية.

وعندما انطلقت ثورتهم المسلحة الحديثة، مطلع الستينات من القرن الماضي ـ ردا على استخدام القوة ضدهم لقمع حركتهم السلمية المطالبة بتحقيق شعارات ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 والوفاء بوعودها ـ تبنت الحركة القومية الكردية شعارا، تقدمت فيه المطالب الوطنية العراقية على المطالب القومية الكردية «الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان».

ولما استباح البعثيون في انقلاب 8 شباط (فبراير) 1963 كل شيء، وانتهكوا المحرمات والمقدسات، وأهدروا دماء الوطنيين العراقيين من كل الاتجاهات، وجد الناجون من هؤلاء الوطنيين في الاكراد، حماة مخلصين لهم، وفي كردستان ملجأ حصينا. ولاحقا أيضا، عندما أعلن صدام حسين الحرب على العراقيين، قبل شنه الحرب على إيران، لم يتردد آلاف العرب والتركمان والكلدان والآشوريين من طلب الأمن والأمان لدى البيشمركة، مطمئنين إلى أنهم في الحفظ والصون.

بأم عيني رأيت، أثناء انتفاضة 1991 ضد صدام حسين، النساء الكرديات، يخبزن ويطبخن ويحملن مع أبنائهن الطعام، إلى آلاف الجنود والضباط العرب، الذين ارسلوا الى كردستان لمحاربة الاكراد، ولاذوا خلال الانتفاضة بالمساجد في المدن الكردية، ليكونوا في مأمن من شرّ صدام.

ومنذ أواخر 1991 حوّل الأكراد إقليمهم الذي بسطوا سيطرتهم على معظم مناطقه، إلى ملاذ آمن للمعارضين في الخارج، والمنشقين في الداخل، الذين توافد مئات منهم إلى اربيل والسليمانية ودهوك، حيث أقاموا مقرات وقواعد ومحطات إذاعة وتلفزيون، وأصدروا الصحف.. بل استعاد البعض منهم حياتهم الأسرية مع زوجاتهم وبناتهم وأولادهم بعد غربة طويلة.

ليس كثيرا أبدا في حق من فعلوا هذا كله لنا، نحن العرب والتركمان والكلدان والآشوريين، أن نقول لهم مع شاي (أو قهوة) الصباح: شكرا.

باسم العروبة والقومية العربية.. بل باسم الإسلام أيضا، واجهت الحكومات العراقية بالقوة الغاشمة مطالب الأكراد بإقرار حقوقهم. وفي عهد صدام تطورت هذه القوة إلى إبادة جماعية ودمار شامل باسم العروبة والقومية العربية والإسلام أيضا.. ولقد تغاضى الأكراد عن تاريخنا غير المشرّف معهم ومدوا لنا أيادي المحبة والوحدة في إطار دولة ديمقراطية فيدرالية، مقاومين الدعوات إلى الانفصال والاستقلال.

ليس كثيرا أبدا في حق من تمسكوا بوحدة العراق، التي وضعها صدام على كف عفريت، أن نقول لهم في الظهيرة: شكرا.

وليس كثيرا أيضا في حق الأكراد أن نقول لهم «شكرا» ثالثة في المساء عن دفاعهم المستميت هذه الأيام عن المستقبل الديمقراطي للعراق، بوقوفهم بصلابة في وجه هؤلاء الطائفيين الظلاميين، الذين لا خيار لديهم يتيحونه أمام الشعب العراقي المنهك بالاستبداد القومي المديد، والحروب القومية العبثية المهلكة، إلا أن يسقط من جديد في وهدة استبداد ديني ـ طائفي هذه المرة، على طريقة الجمهورية الإسلامية في إيران أو على طريقة إمارة طالبان في افغانستان.

شكرا.. شكرا.. شكرا، أيها الأكراد.. وهذا أقل ما تستحقونه من شركائكم في العراق.

[email protected]