في انتظار الإصلاح

TT

ما شهدته مكتبة الإسكندرية الأسبوع الماضي في مؤتمر الإصلاح العربي الثاني، كان استمراراً لتلك الحالة الصحية التي سبق وأن وصفناها «وطن يعيش حالة حوار»، هذه الحالة على مختلف مستوياتها تعد بارقة أمل في إمكانية التغيير، تغيير ما زال ممكناً أن نملكه بأيدينا، لا أن يتم «قولبتنا» وقولبة أفكارنا ومجتمعاتنا داخل قوالب جاهزة، ليست بالضرورة هي الأكثر مناسبة لنا.

النقطة الجوهرية أو الهدف الرئيسي من الدفع نحو الإصلاح هو الوصول بالمجتمعات العربية إلى حالة، يتمكن فيها المواطن الصالح ـ من أمثالنا ـ، من أن يكون له رأي ودور وقدرة على التأثير في مصيره ومصير أولاده ووطنه، وأن يكون قادراً على العيش بأمان. وفي مستويات إنسانية على المستوى الاقتصادي أو المعيشي أو السياسي والاجتماعي، فلا يهان إنسانياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً. هذا المعنى البسيط للإصلاح عبر عنه عديد من المؤتمرين ـ أي المشاركين في المؤتمر، وليس في مؤامرة ـ، عبروا عنه بعديد من الأساليب والمستويات، التي تأرجحت بين الإغراق في التعقيدات اللفظية والفلسفية، أوالمستويات البسيطة المفهومة بسهولة لأي متلق، ببساطة فإن مفهوم الإصلاح، الذي يتناسب معنا نحن المواطنين البسطاء، هو ذلك المفهوم الذي يضمن لنا تلك المقومات السابقة، وهو الأمر الذي يعني أننا شركاء في هذا الوطن، بما يعني حق المشاركة في كل ما يتعلق به، وحق المشاركة في كل ما ينتج عنه من خيرات أو مسؤوليات.

أظن أن هذا الفهم البسيط للإصلاح، لو تمكن أصحاب القرار في بلادنا من التأكيد عليه، واقناعنا بأنه السبيل الذي اختاروه لتأكيد نيتهم في الإصلاح، فإننا سوف نكون معهم بلا حدود، وسوف يكون هذا هو الفيصل في الحديث عن ضغوط خارجية، لفرض أنماط من الإصلاح الغربية ليست بالضرورة بما يتناسب معنا.

ما لمسته في المؤتمر من المشاركين فيه، والأوراق المطروحة عليه هو ذلك الاجماع ـ فيما أظن ـ على رفض مطالب الخارج والإصلاح وفق أجندة غير وطنية، بل أزيد وأقول إنه كان هناك حماس للإصلاح الداخلي، وذلك سداً للذرائع ـ وفقاً للتعبير الفقهي ـ وإغلاق الباب أمام أي تدخلات أجنبية، وفي ذات الوقت تحقيق حلمنا ـ نحن المواطنين البسطاء ـ بإصلاح نستحقه، وبات واضحاً أن الاتجاه العام هو العمل على استباق مطالب الخارج، وتمكين مطالب الداخل لسد الباب أمام أي ممن يحاولون الاستقواء بالخارج، بل واستدعائهم إذا لزم الأمر.

الصيغة التي اختارها مؤتمر الإصلاح في دورته الثانية، هي الحديث عن التجارب الناجحة في مجال الإصلاح، وقد يثار السؤال هنا، ولماذا لا نتحدث أيضاً عن التجارب الفاشلة؟ وهو سؤال يحمل منطقاً واضحاً في طياته، ولن نتبنى أياً من الاجابات، التي تحاول التشكيك في رغبة المؤتمر في البعد عن المسائل الخلافية أو تلك التي تثير حساسيات، وسوف نتبنى الاجابة التي تقول، إن ذلك ربما رغبة في بعث بعض من الأمل في نفوس من يتشككون أو لا يصدقون أن هناك أملا في الإصلاح، بدليل أن هناك تجارب ناجحة، أي أن الإصلاح غير مستحيل، وبالفعل فإن جزءاً من المؤتمر تحدث عن بعض تجارب، لعل الإيجابية في مناقشتها تصب في إطار توسيع مفهوم الإصلاح، وبأنه ليس مجرد إصلاح سياسي فقط أو اقتصادي، ولكن للإصلاح مفهوم أشمل يشمل مناحي الحياة المختلفة، وأظن أن ذلك أحد إيجابيات هذا المؤتمر.

انفض المؤتمر، وغادر المتحدثون في الإصلاح كل إلى بلده، ويظل أملنا ـ نحن المواطنين البسطاء ـ قائماً في أن نتمكن من أن نشهد ونعيش إصلاحاً نستحقه.