ولم يتثاءب أبو العلا!

TT

صورة الاسبوع: عروسان في اول لحظة من زفافهما يتثاءبان؟!

ولا اجد في ذلك غرابة، بل هو منظر عادي جدا. فلا بد ان الحفلة قد ارهقتهما. والتثاؤب من مظاهر التعب والملل. ولا احد يعرف ايهما تثاءب اولا. لأن التثاؤب ينتقل كالعدوى، تماما كما يحدث للطيور فعندما يطير احدها فإن الجميع يتبعونه.

وابو العلا هو اول من قال: تثاءب عمرو اذ تثاءب خالد فما اعدتني الثوباء. أي ان فلانا عندما تثاءب لم يتأثر به او لم يفعل مثله. وابو العلاء يقصد انه لم يفعل ما فعله الآخرون فتزوج وكان له اولاد.. وهو القائل: هذا جناه ابي علي، وما جنيت على احد..

ولا يوجد تفسير علمي حقيقي لظاهرة التثاؤب، سواء كانت في اول الزواج او في آخره. فهناك نظرية تقول ان الانسان بسبب حاجته الي مزيد من الاوكسجين في الدم لينعش مخه فانه يفتح فمه وصدره ليدخل الاوكسجين.. ويبدو ان هذا ليس صحيحا دائما. فكثير من الناس يتثاءب من دون ان يفتح صدره لمزيد من الهواء. كما ان الانسان من الممكن ان يتثاءب وحده من دون ان تنتقل اليه العدوى من احد..

وبعض الناس عندما يتثاءب يضع يده علي فمه. ويقال ان سبب ذلك هو الأدب والذوق فيجب الا يكشف عن اسنانه ولسانه ويكرمش وجهه. ويقال ايضا ان هذه ظاهرة قديمة.. فقد كان هناك اعتقاد بان الانسان اذا فتح فمه دخلت الأرواح الشريرة ولذلك كان لا بد ان يسد فمه..

ولأن التثاؤب عمل غير ارادي فلا يكاد الضيف يلاحظ ان صاحب البيت يتثاءب حتي يبادر بإنهاء الزيارة لأن صاحب البيت يريد ان ينام وما دام يريد ان ينام فالزيارة قد طالت، وكانت مملة!

وكنت في اول عهدي بالكتابة الادبية اتخذت شعارا هو انني اكتب لأقل الناس ثقافة واتمنى ان الذي اكتبه لا يدعو احدا الى التثاؤب. ولا يزال هذا املي.

ومرة سمعت الموسيقار محمد عبد الوهاب يقول انه كان يغني لكبراء مصر وللأمراء والملوك وانه لا شيء يربكه ويلخبطه ويجعله يتمنى ان تنشق الارض وتبلعه وكل الذين يستمعون اليه، الا اذا رأى احدا يتثاءب، لأن هذا اكبر دليل على انه لم يفلح في ان يسحر الناس!

وكثيرا ما كان عبد الوهاب يطلب الا يحضر فلان باشا واذا حضر فليجلس وراءه او بعيدا، لأنه ينام ويكون لنومه صوت يغطي على صوت عبد الوهاب وانه لا يستطيع ان يغني وفي نفس الوقت لا يستطيع احد ان يقول لسعادة الباشا ان يصحو.. ولا ان يحملوه الى فراشه.. واعتاد عبد الوهاب في مثل هذه الحفلات ان يخلع منظاره حتى لا يرى احدا يتثاءب!

وقد لاحظت ام كلثوم ان احد معجبيها يجلس في الصف الاول من كل حفلاتها وكان يستمع الى الأغنية الاولي ثم يختفي في الثانية ويظهر في الثالثة سألت، قالوا لها: هذا موعد نومه.

طبعا هذا افضل من ان يكبس عليه النوم فتراه الست ام كلثوم وتتوقف عن الغناء. ويضايقها اكثر ان يترك مقعده خاليا.

وعلى الرغم انه من السهل ان يملأ مكانه أي واحد من المستمعين. ولكنه هو الذي يصر على الا يجلس احد في مقعده. ولكن تبقى مشكلة. فهذا العاشق الولهان قد ينام ويصحو في نصف الأغنية ثم يعود الى المسرح ليجلس في مقعده.. واحيانا تدور مشادة مع الذي احتل مقعده، وهذا يربك ام كلثوم. واخيرا وجد مدير المسرح حيلة فكان يستدرج هذا العاشق ويدعوه الى فنجان قهوة ويضع فيها شيئا منبها.. وفي احدى الحفلات لم يستطع هذا الرجل ان يقاوم النوم رغم المنبهات فسقط من مقعده نائما عندما نزلت الستارة على آخر اغنيات ام كلثوم.

ولكن اغرب واعجب من رأيته يتثاءب استاذنا المستشرق الالماني باول كراوس وكان ينبهنا الى ما سوف يفعله ويقول انه لم يستطع ان يتخلص من هذه العادة التي هي اسوأ ما ورثه عن ابيه.. فكان يفتح فمه مع صرخة ونفس عميق.. ثلاث مرات.. وبعد ذلك يكون في غاية الانتعاش؟!