تعيينات بوش .. رسائل ودلالات

TT

التعيينات التي أجراها الرئيس جورج بوش لولايته الثانية تؤكد مدى أهمية الولاء الشخصي بالنسبة له. يضاف الى ذلك انه يتعامل مع مسائل الموظفين والعاملين معه كمسائل شخصية.

إلا ان اختيار بوش لمسؤولين في الآونة الأخيرة لشغل مواقع مهمة في مجال السياسة الخارجية والبنك الدولي يعكس أولوية أخرى ذات أهمية لدى بوش، وهي تعيينات يمكن ان توصف بأنها تلعب دورا في صياغة أجندة طموحة للتغير الكوني الذي يريده بوش ان يصبح واقعا ملموسا بنهاية العام 2009 .

درج الرئيس بوش على إخفاء هذا الطموح الكبير وأدوات تحقيقه عن الأنظار وآثر التركيز في خطاب استهلال ولايته الثانية في البيت الأبيض على الحديث مجددا حول «الحرية»، وهاهو يرسل الآن مساعدين يحظون بثقته الى الخارج لتصميم او تعديل سياسات ومؤسسات محددة لجعل خطاب ولايته الثانية مخططا تفصيليا للسنوات الأربع المقبلة.

ترشيح كارين هيوز الأسبوع الماضي لإدارة مساعي وجهود الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية وترشيح بول وولفويتز لرئاسة البنك الدولي، يجب ان ينظر اليهما في ضوء التخطيط البعيد المدى. يمكن القول ايضا إن قرار تعيين بوش لكاتب خطاباته السياسية، مايكل غيرسون، لمباشرة إحدى المسؤوليات ذات الصلة بتخطيط السياسات يعكس رغبة بوش في تغيير خطاب واشنطن تجاه الشرق الأوسط الى واقع.

لعله من السابق لأوانه الحكم على مدى الرغبة في خطط بوش الكبرى للتغير أو واقعيتها، ولكن في ظل المضي قدما في الإجراءات ذات الصلة بتعيينات بوش وترشيحاته الأخيرة لا يجب ان ينظر اليها كونها جاءت مصادفة أو انها جاءت لمكافأة الموالين له. وبصرف النظر عن إبداء الارتياح أو المخاوف إزاء هذه الترشيحات، لا بد من التأكيد على ان هناك خطة ما قيد التنفيذ من جانب واشنطن.

يقول مسؤولون عملوا مع بوش انه لا يتحدث حول الفلسفة وراء ما يريد تنفيذه، بل ولا يشجع حتى على مناقشة ذلك. كما لا يمانع فيما يبدو في ان تكون هناك معرفة محدودة لدى الرأي العام حول الطرق والوسائل التي يسعى من خلالها الى تحقيق ما يصفه منتقدوه بـ«الحماقة» ـ الهاجس الذي يتملكه بنشر الحرية في العالم. يقول مسؤول رفيع عمل مع بوش انه عندما يتخذ قرارا مثل قراره بترشيح بول وولفويتز لرئاسة البنك الدولي يكون السؤال حول الجهة التي يتصل بها للحصول على السند اللازم.

شجع بوش الاتصال المبكر الذي أجراه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك. فقد أبدى شيراك برودا واضحا إزاء ترشيح وولفويتز لرئاسة البنك الدولي، المؤسسة التي تضم 184 دولة والجهة الرئيسية التي تقدم المساعدات للدول النامية. قال شيراك في معرض رده على الرئيس بوش بلهجة ساخرة: «تذكر من فضلك انك تتحدث عن البنك الدولي». والعبارة طبقا لتفسير مسؤول أميركي تعتبر مناشدة لبوش بألا يحول هذه المؤسسة الى «البنك الدولي العربي» او «بنك الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط». وأصر شيراك على ضرورة ان يكون للدول الأوروبية كلمتها في هذا الأمر.

قال شيراك لبوش ان فرنسا لن تعارض ترشيح وولفويتز، وهو قرار سيعزز بالتأكيد من فرص قبول الترشيح بواسطة لجنة الأمناء.

إلا ان مسؤولا أميركيا يعتقد بأن ترشيح وولفويتز يثبت ان الرئيس بوش يبدي اهتماما بالبنك الدولي كمؤسسة، اذ ان هناك رغبة بوضع البنك الدولي ضمن اجندة التغيير التي من الممكن ان يعمل بها زعماء آخرون ويؤثرون عليها. ويرى المسؤول ان الرئيس شيراك اذا استطاع النظر الى ما هو ابعد من صورة وولفويتز كمحرض على الحرب فإن الآخرين سينظرون إليه بصورة ايجابية أيضا.

تأييد وولفويتز لغزو العراق كخطوة أساسية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط جعله مثارا للجدل، تماما مثل تصنيفه الخاطئ ضمن معسكر المحافظين الجدد. مقدرات وولفويتز الفكرية وخدمته الحكومية الطويلة جعلت منه مرشحا قويا لمواصلة جهود جيمس وولفنسون لإنقاذ البنك الدولي.

علاقات بوش الشخصية القوية مع كارين هيوز ستجعل منها شخصية قوية توليها الحكومات الأجنبية اهتماما خاصا في إطار عملها لتغيير صورة الولايات المتحدة في الخارج. ينطبق ذات الشيء على جون بولتون المرشح كسفير لواشنطن لدى منظمة الأمم المتحدة التي تسعى بدورها الى تحقيق إصلاحات شاملة تحتاج وتستحق مشاركة الولايات المتحدة. وقال لي مسؤولون أوروبيون انه من السهل العمل مع بولتون في المفاوضات الخاصة على العكس من الانطباع السائد حول تشدده وصرامته.

ترى، هل هناك دوافع أخرى لدى بوش وراء هذه الترشيحات؟ هل لديه رغبة في معاقبة أو تدمير البنك الدولي أو الأمم المتحدة؟ هل يعتزم محاولة تطبيق خطابات جيرسون على ارض الواقع؟

ربما... ولكن الاعتماد على ذلك يقود الى مخاطر فهم جورج بوش وطموحاته «بصورة خاطئة» مرة اخرى.

*مجموعة كتاب «واشنطن بوست»

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)