إصلاح الأمم المتحدة.. والنظام الدولي

TT

استمعت إلى الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي انان، أمام الجمعية العامة حول إصلاح أسلوب عمل وأجهزة المنظمة على ضوء التقرير الذي رفعته إليه اللجنة عالية المستوى التي كان قد شكلها لهذا الغرض. وقد تناول الأمين العام في خطابه الموضوعات التالية:

اولا ـ التنمية: على اساس تنفيذ برنامج الالفية الذي اقرته الجمعية العامة لتخفيض مستوى الفقر والجوع الي النصف، وتقليل وفيات الامهات والمواليد ، وزيادة فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية بحلول عام 2015.

وقد اوضح انان ان ذلك يتطلب جهدا مشتركا من الدول المعنية، ومن الدول الغنية، فذكر ان الاولى عليها ان تحقق الحكم الرشيد وتحارب الفساد وتتسلح بنظرة شاملة لتحقيق اهداف التنمية، اما الدول المتقدمة فعليها ان تزيد من مساعداتها ومن اعفاء الدول الفقيرة من الديون، وان تتيح للدول الاقل نموا الفرصة للنفاذ الي اسواقها دون فرض رسوم او حصص على منتجاتها، كما طالبها السكرتير العام بأن تخصص 0.7% من دخلها القومي لبرامج المساعدة للدول النامية واكد ضرورة العناية بالبيئة، والاهتمام بالقطاع الخاص والمجتمع المدني.

ثانيا ـ الامن: وفي هذا الصدد اشار انان الي اعتبار التهديد الموجه الي طرف بمثابة تهديد للجميع، وبالتالي ضرورة التعاون لمنع انتشار الاسلحة النووية، ووقف الحروب الاهلية وبناء سلام مستقر في الدول التي تمزقها الحروب.

وبالنسبة للارهاب اشار السكرتير العام الي ضرورة الانتهاء من اتفاقية مكافحة الحرب وتوقيعها وتنفيذها استنادا الي تعريف واضح ومتفق عليه للارهاب باعتباره اي عمل يستهدف القتل او التسبب في ضرر جسماني بالغ موجه للمدنيين او غير المحاربين بهدف ترويع السكان او اجبار الحكومة او منظمة دولية علي القيام بعمل او الامتناع عنه.

ثالثا ـ حقوق الانسان: واشار الي الحق في الحياة الكريمة، ثم تحدث عن مسؤولية كل دولة في منع الجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة الجنس، فاذا فشلت دولة في توفير تلك الحماية يتولي المجتمع الدولي المسؤولية، ويمكن - كخيار اخير ـ ان يلجأ مجلس الامن الي الاجراءات القسرية.

رابعا ـ اجهزة الامم المتحدة:

1- تدعيم الجمعية العامة عن طريق تخفيض جدول اعمالها بحيث تركز على المسائل الاساسية وتسريع المناقشات وايجاد الية للتفاعل مع المجتمع المدني.

2- تدعيم المجلس الاقتصادي والاجتماعي لزيادة فعاليته.

3- الغاء لجنة حقوق الانسان، علي ان يحل محلها مجلس لحقوق الانسان اقل عددا ينتخب اعضاؤه بأغلبيه الثلثين من الجمعية العامة من بين الدول التي لها سجل ايجابي في مجال حقوق الانسان.

4- اصلاح السكرتارية لتحقيق الشفافية والفعالية.

5- انشاء صندوق للديمقراطية يقدم المساعدة الفنية للدول لتنفيذ الاصلاحات التي ترغب فيها في هذا المجال.

6- اما بالنسبة لمجلس الامن فقد ذكر كوفي انان انه يجب ان يكون اوسع تمثيلا للقوى والمناطق الجغرافية.

وفي هذا الصدد اشار السكرتير العام للبديلين اللذين طرحتها اللجنة رفيعة المستوى التي رفعت تقريرها له دون ان يعرب عن تفضيل ايهما، علما بأن كلا منهما يضيف 9 اعضاء جدد ليصبح عدد اعضاء المجلس 24 ويوزع الخيار الاول المقاعد الاضافية بين 6 اعضاء دائمين لا يتمتعون بحق الفيتو، و3 اعضاء غير دائمين لمدة سنتين، اما الخيار الثاني فيتضمن اضافة 8 اعضاء غير دائمين لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد وعضو اخر غير دائم لمدة سنتين، علي ان يستهدف العضوية الجديدة تحقيق تمثيل مناسب للمناطق الجغرافية قاصرة التمثيل فيكون هناك مقعدان لافريقيا ومعقدان لاسيا ومعقد لامريكا اللاتنية.

ومن جهة اخرى فان السكرتير العام طلب ان يتولي مجلس الامن وضع الاسس والمعايير لاستخدام القوة.

وقد اوضح كوفي انان ان ما يطرحه هو مشروع متكامل يجب ان يؤخذ بجملته لانه سوف يكون من الصعب التوصل الي اتفاق بين الاعضاء المائة وواحد وتسعين اذا اختار كل منهم ما يعجبه او يناسبه واراد ترك ما لا يتفق تماما مع رأيه او رؤيته.

وبعد هذا الاستعراض السريع لما طرحه السكرتير فإني ارى انه يصعب الاستجابة لما يطلبه السكرتير العام من ان تؤخذ كل مقترحاته كحزمة واحدة لان ذلك يمنع النقاش المتعمق الجاد، وقد يؤدي الي ترك الممكن المستحب وتأجيل اصلاح مطلوب ليس هناك ما يمنع من تحقيقه خطوة بعد خطوة.

***

وأحسن كوفي أنان حين ركز على أهمية التنمية باعتبارها مسؤولية مشتركة بين الدول النامية والدول المتقدمة، لأن في ذلك مصلحة المجتمع الدولي في مجموعه. فالدول النامية عليها أن تضع برامج عملية تنطلق من حكم رشيد يتخلص من الفساد، والدول المتقدمة عليها أن تضاعف جهدها في تخفيف العبء عن الدول الفقيرة عن طريق إعفائها من الديون، وتمكينها من النفاذ إلى أسواقها، وزيادة المساعدات لها علما بأن الدول المتقدمة تقاعست عن البلوغ بمساعداتها في الماضي إلى نسبة 0.1 % التي كانت مطلوبة بينما يطالبها انان الآن بأن تضاعف تلك النسبة 7 مرات، وقد يكون هذا الأمر غير عملي، ولكنه يشير علي أية حال إلى احتياج حقيقي يجب أن يكون هناك تجاوب معه خلال الفترة من الآن حتى 2015.

1 ـ وارتباطا بهذا وبمتطلبات الحكم الرشيد، فان السكرتير العام يفتح الباب أمام الدول التي تختار طريق الإصلاح والديمقراطية بإرادتها دون فرض عليها لكي تستفيد من المعونة الفنية والخبرة من الصندوق المقترح في إطار الأمم المتحدة الذي تلصق به شبهة محاولة الفرض أو السيطرة أو الهيمنة.

وفي تصوري فإن هذا الصندوق سوف يغني عن مشروعات مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الموسع، ويجنب الدول الضغوط لكي تتحرك في اتجاهات لا تعرفها وبسرعة قد لا تتحملها وأسارع بالقول إني لا أتصور أن الدول الكبرى سوف ترحب بفكرة هذا الصندوق إلا إذا استطاعت السيطرة عليه فتذهب بذلك فائدته.

2ـ تعمل مقترحات السكرتير العام على ترسيخ العمل الجماعي، عن طريق تحمل المجتمع الدولي مسؤولية معالجة جرائم الحرب أو جرائم الإبادة العرقية إذا فشلت دولة ما في معالجتها داخل اراضيها، وعن طريق مطالبة مجلس الامن بوضع الضوابط لتقنية حالات استخدام القوة، تجنبا لنظريات الحرب الاستباقية وحق التدخل المنفرد، وهنا ايضا فلست اتصور ان الدول الكبري - التي غزت العراق دون تفويض من المجتمع الدولي ـ سوف ترحب بهذه الافكار الا اذا كانت تعلمت شيئا من الدرس القاسي الذي ما زالت تتلقاه في العراق.

3ـ تتضمن الافكار والمقترحات تدعيم المجلس الاقتصادي والاجتماعي حتي يمكنه ان يضطلع بطريقة افضل بمسؤولياته في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة وهو امر جيد يجب تشجيعه.

4ـ تلتقي افكار السكرتير العام حول محاربة الارهاب مع الافكار التي نادت بها دول كثيرة ـ وعلى رأسها مصر ـ حتى قبل 11 سبتمبر (حينما اكتشفت الولايات المتحدة الارهاب علي ارضها) من ان الارهاب ظاهرة عالمية تحتاج الي تعاون دولي فعال على اسس واضحة. ومن هنا كانت الدعوة الي عقد مؤتمر دولي لهذا الغرض واذا كان ما اعترض عقد المؤتمر هو الفشل في تعريف الارهاب فان السكرتير العام، وقبله اللجنة رفيعة المستوى، يطرح تعريفا يصلح اساسا للمناقشة وصولا الي اتفاق في هذا الشأن وليس من شك في انه من الضروري مراعاة عدم الخلط بين الارهاب وبين النضال التحريري المسلح الذي يجب عليه ان يلتزم ببعض الضوابط يمكن تحديدها في اطار تعريف الارهاب، وهو امر قد يكون صعبا ولكن شعور العالم بحاجته الي ان يحصن نفسه ضد الارهاب ويواجهه قد يجعله اكثر استعدادا لتغيير نظرته بدرجة ما الي الحركات الوطنية الاستقلالية ضمانا لتحقيق اكبر قدر من التعاون ضد الارهاب الحقيقي.

5ـ ان اقتراح السكرتير العام حول الغاء لجنة حقوق الانسان على ان يحل محلها مجلس مصغر قد يساهم في تسييس معالجة الامم المتحدة لموضوعات حقوق الانسان، وان لم تمنع التسييس في اختيار العضوية تماما رغم اشتراط انتخاب الدول الاعضاء بأغلبية الثلثين بحيث لا تسيطر كتلة واحدة علي الاختيارات، وقد يمكن في هذا الصدد التفكير في أن يتكون المجلس من شخصيات مرموقة تختار لكفاءتها وقدراتها الذاتية دون إن تمثل بالضرورة دولا معينة وهي فكرة اطرحها مع علمي بأنه يصعب أن تلقى قبولا على الأقل في الوقت الحالي.

6ـ من الاقتراحات المفيدة التي طرحها السكرتير العام تخفيف جدول أعمال الجمعية العامة حتى يمكنها أن تركز علي الموضوعات الأساسية وتناقشها مناقشة مستفيضة وهو أمر حبذا لو أخذت به المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى ولاسيما الجامعة العربية التي ينوء جدول أعمال اجتماعاتها علي المستوى الوزاري أو القمة بموضوعات يجب أن يكون من الممكن معالجتها على مستوى المندوبين الدائمين مثلا.

7ـ كما أن اتجاه السكرتير العام إلى إصلاح السكرتارية العامة لضمان الشفافية والكفاءة أمر مطلوب بعد ما ظهر من حالات فساد مالي وأخلاقي ألقت بظلالها على المنظمة بكل جوانب النور فيها كما أن نظام اختيار كبار الموظفين يجب أن يحظى بمزيد من العناية حتى تعطى الأولوية للكفاءة قبل أي اعتبار آخر، بحيث لا يكون مبدأ التمثيل الجغرافي ـ وهو مبدأ صحيح ـ الباب الخلفي لتولي عناصر غير صالحة مناصب قيادية فتسيء إلى الأمم المتحدة وإلى دولها ذاتها.

يبقي موضوع مجلس الأمن وهنا أود أن أتوقف قليلا لأشير إلى الآتي:

1- إن حصول مصر على تأييد الدول العربية، وعلى تأييد دولي واسع كذلك لشغلها مقعد دائم جديد أمر نسعد به ولا نستغربه لأنه يعكس ثقل مصر ودورها الفعال سواء في حل المشاكل الدولية أو المشاركة في عمليات حفظ السلام، أو الإسهام النشيط في كل مجالات عمل الأمم المتحدة عن طريق ببنائها المتميزين في القانون والاقتصاد ومختلف مجالات الخبرة كما انه من الطبيعي أن يكون للدول العربية تمثيل مستقل في مجلس الأمن علما بأنهم حاليا يدخلون المجلس مرة تحت مظلة أفريقيا وأخرى تحت مظلة آسيا.

2- ومع ذلك فان المقترحات المطروحة لا تحل مشكلة الأمن الحقيقية التي تكمن في حق الفتيو الذي تستطيع عن طريقه - كما رأينا اكثر من مرة في الماضي ـ دولة من الدول الخمس عرقلة الإرادة الدولية وشل عمل المجلس وهذا أمر لا يغير منه زيادة عدد أعضاء المجلس وتحقيق تمثيل جغرافي أوسع واشمل، لان النتيجة تظل واحدة وهي انه إذا حصل قرار على 23 صوتا وعارضته دولة من صاحبات حق الاعتراض فان القرار يسقط.

3- إن المقترحات الجديدة ـ في شكليها المطروحين ـ توجد فئات مختلفة من العضوية: عضوية دائمة لها حق الفتيو، وعضوية دائمة بدون حق الفتيو، وعضوية غير دائمة لمدة سنتين غير قابلتين للتجديد. وهذا وضع لا يستقيم مع مبدأ المساواة بين الدول الذي ربما كان من المفهوم أن تستثنى منه الدول العظمى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وان لم يكن مستساغا في الوقت الحالي. والمقترحات الجديدة ترسخ هذا الوضع، بدلا من التركيز إما على إلغاء الفتيو (وهو أمر اعترف انه غير ممكن) أو على تنظيم استخدامه بوضع ضوابط (وهو ما فشلت حتى الآن محاولات تحقيقه) وان لم يكن هناك ما يمنع من استمرار المحاولة بدلا من ترسيخ وتعميق وضع غير طبيعي.

وعلى كل فلست ممن يعتقدون أن التعديلات المقترحة علي تشكيل مجلس الأمن ستحظى بأغلبية الثلثين وتصديق الثلثين المطلوب لإقرارها لان التنافس على شغل المقاعد الجديدة شديد، ويثير حساسيات كثيرة واعتراضات واسعة وهذا أمر في الحقيقة لا يزعجني لأني لا أرى في تلك المقترحات كما ذكرت حلا حقيقيا للمشاكل التي تواجه مجلس الأمن أحيانا كثيرة في تحمله مسؤولياته التي حددها له الميثاق في صيانة الأمن والسلام الدوليين.

وبعد، هذه قراءة في مقترحات الأمين العام التي استند فيها إلى آراء اللجنة رفيعة المستوى، والتي يشكر عليها لأنها فتحت أبوابا للتعديل والإصلاح والتفكير وتستحق كل الاهتمام، لأنها تظهر الحاجة إلى نظام دولي رصين ومتطور يجنب العالم مخاطر انفراد دولة عظمى أو أخرى بدور المشرّع والقاضي والسجان وناصب المشانق وقاطع الرقاب.

* وزير الخارجية المصري السابق