هل انطفأ بريق بن لادن؟

TT

الى أين نتجه من هنا؟ هذا هو السؤال الذي تطرحة الحركات الاسلامية هذه الايام في المساحة المعتمة التي تشغلها الآن على هامش الواقع.

تطرح الحركة الاسلامية هذا السؤال في المساجد التي يسيطر عليها المتطرفون كما جرى تناول ذات السؤال في مقالات نشرها بعض رفاقهم فضلا عن الجدل حوله في منابر نقاش على شبكة الإنترنت يديرها اسلاميون متشددون.

اذا تركنا جانبا المقترحات «المألوفة» مثل خطف بعض طائرات الركاب او تسميم مياه الشرب في المدن الكبيرة في الغرب او تفجير هذا المعلم او ذاك في العواصم الغربية، اذا تركنا هذا جانبا فإن الحركات الاسلامية المتشددة باتت تفتقر الى الأفكار، وربما تمر الآن بأسوأ ازماتها وأكثرها عمقا منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 .

بداية، هناك حقيقة تتمثل في أن تنظيم «القاعدة»، الذي كان يعمل كجهاز فاعل فيما يتعلق بالسيطرة والقيادة، قد تفتت تماما. فمن جملة حوالي 20 قياديا لشبكة «القاعدة» لم يعد هناك من هو على قيد الحياة او مطلق السراح سوى اسامة بن لادن وأيمن الظواهري المختبئين. إلا انهما يفتقران فيما يبدو الى أي نوع من الاتصال التنظيمي على نحو محكم مع خلايا الاسلاميين في أي دولة. فمنذ ديسمبر 2001 لم يرسل اسامة بن لادن وأيمن الظواهري سوى ست رسائل من مكان

اختبائهما. اما وصول هذه الرسائل الى العالم الخارجي فإن السبب الرئيسي من ورائه هو وجود قناة تلفزيون عربية على استعداد لنشر هذه الرسائل كما هي من دون أي تغيير او معالجة في مضمونها.

تنظيم «القاعدة»، الذي نشر عام 2001 حوالي 83 مؤلفا وكتيب، لم ينشر منذ 11 سبتمبر 2001 سوى كتاب واحد فقط حول الحرب في العراق.

صعوبة الاتصال باسامة بن لادن وأيمن الظواهري، الذين يطلق عليهما الاسلاميون لقب «الشيخين»، تتضح من محاولة الزرقاوي، زعيم مجموعة «القاعدة» في العراق، في الآونة الاخيرة الحصول على فتوى تبيح القتل الجماعي للنساء العراقيات الشيعة والأطفال ايضا. استغرق الأمر من الظواهري حوالي ستة اسابيع للحصول على الضوء الأخضر من أيمن الظواهري.

يمكن القول ان الارتباك الذي اصاب قيادة تنظيم «القاعدة» اسفر عن نتائج اخرى ايضا. فعلى مدى العام الماضي ظل الظواهري يحث المتشددين من جميع الدول، بما في ذلك اميركا الشمالية واوروبا، بالتوجه الى الشرق الاوسط للمشاركة في الجهاد في كل من افغانستان وباكستان والسعودية والعراق. إلا ان اسامة بن لادن ظل يروج لاستراتيجية مختلفة تماما، اذ يريد من «المجاهدين»، بمن في ذلك اعضاء الخلايا النائمة في اميركا واوروبا، بتنفيذ «عمليات هائلة» داخل الولايات المتحدة، بيد ان الاستراتيجيتين أخفقتا حتى الآن.

لا يوجد حاليا ما يشير الى وجود جبهات جديدة من تلك التي يريد الظواهري فتحها في افغانستان وباكستان والسعودية. وفي نفس الوقت لم تسفر مناشدات اسامة بن لادن لتنفيذ «عمل هائل» داخل الولايات المتحدة عن أي نتائج.

الأمر الاكثر اهمية هو ان حكومات دول المنطقة المعنية بدأت في اتخاذ الإجراءات اللازمة. ففي باكستان جرى إغلاق ما يزيد على 1300 مدرسة دينية خلال العامين السابقين يشتبه في انها تروج للافكار المتطرفة. وفي اليمن وصل عدد المدارس المشابهة التي اغلقت الى 24000 مدرسة، كما ان هناك مؤشرات على ان السلطات في كل من افغانستان وباكستان والسعودية والعراق نجحت في اختراق بعض المجموعات الارهابية.

ومنذ عام 2003 جرى اعتقال مئات الارهابيين في هذه الدول بفضل المعلومات التي قدمها متطرفون اعلنوا تراجعهم. ويهيمن على مواقع المتطرفين على شبكة الإنترنت وخطب أئمة المساجد المتعاطفين مع «القاعدة» التحذير من «المنافقين» الذين انخرطوا في الحركة بغرض ضربها، للحصول على مكافئة في الكثير من الأحيان. وفي باكستان وحدها تنفق وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي أي) حالي 80 مليون دولار سنويا على شبكة من المخبرين قدمت معلومات ادت الى القبض على عشرات المنتمين الى شبكة «القاعدة» بواسطة السلطات الباكستانية. وفي مطلع الشهر الجاري نجحت روسيا في العثور على أصلان مسخادوف، زعيم المتمردين الشيشان، وقتله بفضل معلومات دفعوا لقاءها 10 ملايين دولار.

حققت باكستان واليمن والسعودية نجاحات رئيسية في العمليات التي هدفت الى إقناع المتطرفين بالعودة الى الحياة العادية. فقد جرى تحول ما يزيد على 1400 متطرف سابق في اليمن والسعودية، طبقا لتقديرات مسؤولين.

ويبدو ان هذه الحركة الاسلامية المتشددة باتت تعاني من صعوبة متزايدة في تجنيد عناصر جديدة، خصوصا داخل العالم الاسلامي. ولكن حتى في

اوروبا الغربية، حيث لا تزال الجاليات الاسلامية تمثل ارضا خصبة للتجنيد، بدأ العدد في التراجع بعد ان وصل قمته خريف عام 2003 .

ثمة مشكلة كبرى اخرى تتمثل في ان عدد الأماكن التي يمكن ان يختبئ داخلها الاسلاميون بات في تراجع مستمر. فطبقا لمصادر استخباراتية في المنطقة، لم يعد بوسع شبكات الارهاب إخفاء اكثر من بضع عشرات في الأماكن النائية في افغانستان في أي وقت. فقد ولت الأيام التي كان يحكم فيها اسامة بن

لادن وشركاؤه «الإمارات» الاسلامية التي صنعوها بأنفسهم في افغانستان و «وزيرستان » مع عوائلهم الكثيرة العدد وأفراد الحاشية الممتدة.

اما اليوم، فإن المنطقة الوحيدة بين المحيط الهندي والأطلسي التي لا وجود فيها لمكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) هي الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تراجعت فيها آثار تنظيم «القاعدة». ولكن رغم ذلك لا يمكن اعتبار ايران ملاذا أمنا بصورة دائمة لأتباع اسامة بن لادن الذين تتضمن اهدافهم قتل أكبر عدد من الشيعة.

ايضا بدأت هذه الجماعات تعاني من مشاكل في جمع التبرعات لأول مرة منذ عقدين تقريبا. فقد توقفت التبرعات التي كانت تأتي مباشرة من عدة اطراف في عدة دول في المنطقة، فيما جرى تجميد حسابات مصرفية لعناصر يشتبه في تورطها في الارهاب، فضلا عن إغلاق او تحييد 103 جمعيات خيرية في افغانستان وباكستان والسعودية واليمن والكويت فقط بشبهة التورط في جمع التبرعات للجماعات الارهابية. ولا يزال هناك من يمد عددا من هذه الجماعات، عن طريق طرف ثالث في الكثير من الأحيان، إلا ان هذه القنوات تخضع للرصد والمراقبة ويجري إغلاقها واحدة بعد الاخرى.

من ضمن اسباب العلاقات المتزايدة بين فرع تنظيم «القاعدة» في العراق وعصابات الارهاب الموالية لصدام حسين ان هذه العصابات لا تزال تملك مبالغ طائلة سرق معظمها من الخزينة العراقية قبل سقوط النظام السابق.

عانت الحركة الاسلامية المرتبطة بالارهاب احباطا آخر. فقد كانت تأمل في ظهور جبهة دولية معادية للولايات المتحدة بقيادة فرنسا وألمانيا لعزل الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا انها اصيبت بخيبة أمل من جراء معارضة الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني جيرهارد شرودر لفكرة الاستمرار في فتور العلاقات مع واشنطن. حتى حكومة رئيس الوزراء الاسباني، زاباتيرو، الذي فاز في الانتخابات عقب تفجيرات مدريد العام الماضي، كانت حذرة ازاء تخفيف حدة لهجتها المناوئة للولايات المتحدة.

ثمة مشكلة اخرى عانت منها الحركة الاسلامية المرتبطة بالارهاب تمثلت في تغير المزاج العام للشارع في العالم الاسلامي. فالانتخابات التي جرت في افغانستان والضفة الغربية وقطاع غزة والعراق وحركة التحرير في لبنان وبدايات الإصلاح في مصر واليمن والسعودية ساعدت على نشوء اهتمام جديد بالاصلاح الديمقراطي. ثمة تطور آخر يتجسد في الجهود التي بذلها محمود عباس «ابو مازن» لتحويل القضية الفلسطينية من قضية عاطفية الى قضية تتعلق بالسياسة الواقعية. حتى حركة «حماس»، التي تعد اكثر الحركات الفلسطينية تطرفا، وجدت نفسها مضطرة لإنهاء مقاطعتها لممارسة السياسة على النحو المألوف بل انها تستعد لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.

في الوقت الذي لا تزال فيه رسالة اسامة بن لادن والإرهاب تتردد في أركان الجاليات المسلمة وبقايا اليسار وفي الغرب، فإن الصورة تختلف في العالم الاسلامي. فالناس هناك يتظاهرون من أجل الحريات، وفي بعض الحالات، مثلما حدث في مصر قبل بضعة اسابيع، يتظاهرون من اجل زيادة حجم التجارة مع اسرائيل. هذا معادلة جديدة ليس فيها للارهاب الاسلامي مستقبل يذكر، رغم انه لا يزال يشكل خطرا.