صفحة كاملة عن الميناء المجهول: لدق

TT

ملاحظة ذكية من الأستاذ سمير عطا الله، فالمصريون ارتكبوا أخطاء فادحة في سوريا.. والسوريون ارتكبوا أخطاء فادحة أيضاً في لبنان، ولكن هناك فروقاً كثيرة.

فالاحتلال السوري لم يؤد إلى أن يفقد البلدان اسميهما، فلم يتحول لبنان إلى فينيقيا الغربية وسوريا إلى فينيقيا الشرقية، بينما تحولت مصر إلى الإقليم الجنوبي وسوريا إلى الإقليم الشمالي، وداست الدولتان على اسمين غاليين: سوريا ومصر، التي جاء ذكرها في القرآن.

وكانت الوحدة المصرية السورية على غير أساس: لا من الفهم ولا من الضرورة وإنما هي (هوجة)، وسوريا هي التي سارعت وطلبت الوحدة، تماماً كما سارعت وانفصلت عن مصر، تلك أيام شنيعة، فقد كان زعماء سوريا يطلبون مجرد مقابلة جمال عبد الناصر.. بلاش مقابلة.. نظرة.. أبداً.. بينما كان يمضي عبد الناصر ساعات يستمع إلى أم كلثوم مع أن دقائق معدودة كانت تحل مشاكل الحكم في سوريا ورذالة الحكام المصريين وفرعنة جنودهم، ولا كلمة!

ولم نكن ـ نحن المصريين ـ على وعي بهذه الوحدة، بل ان أكثرنا لا يعرف سوريا ولا ذهب ولا رأى ولا سمع، فقبل إعلان الوحدة بيوم واحد نشرت إحدى الصحف المصرية الكبرى صفحة كاملة خالية من الإعلانات، وثمانية أعمدة لتعريف المصريين بالمستعمرة الجديدة.. نشرت الصحيفة عن ميناء (لدك) وأحياناً (لدق)، وهذه الصفحة ترجمها محررون وصحح لغتها آخرون ورآها سكرتيرو التحرير ونائب رئيس التحرير ورئيس التحرير وصاحبا الجريدة مصطفى أمين وعلي أمين وبعد الصدور قرأها مئات الألوف ولم يبعث واحد يحتج على الغلطة الفظيعة التي وقعت فيها الصحيفة وهي أن ميناء (لدق) ليس إلا ميناء اللاذقية!

وغير ذلك كثير جداً، وفوق احتمال البشر، ولا كنا سعداء بالوحدة ولا كان السوريون، ويوم الانفصال شرب كثيرون الشمبانيا ابتهاجاً بهذا اليوم، وبأن صوت الرئيس عبد الناصر كان ذبيحاً وهو يزف للأمة حزنه على ذلك بقوله: لقد شاءت إرادة الله.

وتذكرنا هذه العبارة التي قالها الملك فاروق عند إعلان طلاقه من الملكة فريدة: لقد شاءت إرادة الله.

وفاروق طلق فريدة.. ولكن سوريا خلعت عبد الناصر.

والسوريون كانوا ولا يزالون أشطر، وفي القاموس: الشاطر هو الرجل الذي أعيت الناس حيله، وهكذا كان السوريون، فقد جاء إلى مصر مئات السوريين تجاراً، دخلوا ولم يخرجوا، ولم يذهب مصري واحد إلى سوريا. وأذكر أنني ذهبت إلى سوق الحميدية فوقفت عند مطعم فول اسمه (الفول المصري اللذيذ) وجلست وأكلت وأعجبني ما أكلت وسألت صاحب المحل إن كان مصرياً؟ فقال: لا والله.. إحنا نتشرف!

وغضب مني الرئيس حافظ الأسد ومنع كتبي وأحاديثي التلفزيونية عشر سنوات، لأنني قلت: إن هنري كيسنجر قال لي إنه وهو ينتقل بين تل أبيب ودمشق يغلبه النوم من التعب فكان إذا صحا لا يعرف إن كان في دمشق أو تل أبيب لأنهما يتكلمان لغة واحدة!

وعندما رويت هذه الواقعة في مجلة (كاريكاتير) التي كنت أرأس تحريرها هاجمني السيد فاروق الشرع وهدد بالذهاب إلى القضاء وخرج بعد وليمة رسمية.. فأشار رسميون مصريون بأن أعتذر أو أوضح ما قلت وأوضحت ما أردت أن أقول.

وصالحني الرئيس مبارك على الرئيس الأسد، وعلى مائدة العشاء كنت أداعب جاري المسؤول الكبير قلت: إن الرئيس عبد الناصر يحفظ من القرآن آية واحدة والرئيس الأسد يحفظ من الأحاديث النبوية حديثاً واحداً، فعبد الناصر إذا تآمرت على مصر أتى بك وزيراً.. وإذا تآمرت عليه هو اغتالك.. قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

والرئيس الأسد يحفظ حديثاً واحداً هو: الدين المعاملة، والمعاملة في اللهجة العامية المصرية معناها (الفلوس)!

فقال جاري: ولا تريدنا أن نشنقك؟!